حتى قيل: إن القائد نفسه لم يقصد من إذاعة عزمه على تخريب البلدة إلا التخويف والتهديد فقط، وإنه لا يفعل ذلك ولا يقدر على فعله أبدا لحدوث الهدنة في هذه الأيام وصدور الأمر إليه بأن يترك حلب وينسحب عنها بلا ضرر ولا إضرار. والله أعلم بحقيقة الحال.
[ما كان في حلب بعد وصول الشريف مطر إليها:]
صباح يوم السبت ٢١ محرّم استفاض بين الناس أن الوالي والقائد العسكري التركيين سافرا ليلا، وأن عامة الألمان من الجنود وغيرهم لم يبق منهم في حلب أحد سوى المرضى والمستخدمين في تمريضهم في المستشفيات الألمانية، وأن الألمان كان في عزمهم أن ينسفوا بألغامهم كل بناء يخصهم في المحطة وغيرها، وأن القائد العسكري العثماني هو الذي عارضهم بذلك. وقد نسفوا بعض الجسور على نهر قويق.
هذا، وإن الناس في صباح اليوم المذكور هرعوا للسلام على الشريف مطر، وكان الروع ذهب من القلوب وظهرت المارّة في الشوارع وتلاحقت عساكر الشريف ببعضها، وانضم إليهم العدد الكبير من عشائر البادية المخيمة في صحارى ولاية حلب، وكانوا يدخلون إليها زمرة بعد زمرة ولا يرون فيها أدنى مقاومة، ولا حدث بدخولهم أقّل خوف، وكان النهب من الدعّار قد وقف، وسكنت الأمور وانتشر لواء الأمان ورفعت الرايات والأعلام العربية على أبواب الأماكن الأميرية، ولم يقتل من بقايا الجنود التركية وغيرهم سوى بضعة أشخاص اشتبه الأعراب بهم فقتلوهم.
[انفجار ألغام:]
وفي ظهيرة يوم الأحد ٢٣ محرم سمع بغتة هزيم انفجار مفزع ثلاث مرات متوالية، اهتزت له المباني وارتعدت الفرائص، وتحطم كثير من زجاج النوافذ القريبة من تكية الشيخ أبي بكر الوفائي. وبعد برهة تبين أن هذا الانفجار صادر من ألغام كانت مدفونة في مستودع الأعتاد النارية الكائن في شرقي جنوب التكية المذكورة، وهو مستودع المواد النارية للألمان قرب مستودع الأتراك.