عليه سريرته من الخير والشر فكان لا يهمه من مكروه أوصافهم شيء ما دام أحدهم صادقا في خدمته مخلصا بولائه.
[استكثاره من الجواسيس:]
أكثر هذا السلطان من استخدام الجواسيس المعروفين بالخفية وجاد عليهم بالعطايا والمرتبات الوافرة، وبثّهم في جميع دوائر الحكومة وأزقة استانبول وخاناتها وفنادقها وجوامعها ومدارسها. وهم على هيئات مختلفة وأزياء شتى: ما بين كاتب وخادم ومتسول ودرويش وكسيح وسائح وأبكم وأعمى. ولم يكتف ببثّهم في دوائر الحكومة بل أقام منهم العدد الكبير في نفس بيوت المستخدمين مصطبغين بصبغة الخدم والحشم. بل بعض منازل المستخدمين كان لا يخلو من متجسس على المستخدم من أهله وذوي قرابته حتى صار الإنسان يحترز من زوجته وابنه وأخيه وهو في بيته فلا يجسر أن يفوه بأقل كلمة تمس حضرة السلطان لا سرا ولا علنا.
لم يرخص قط بدخول التلفون (الهاتف) إلى استانبول، ولا أن تستخدم فيها الكهرباء بجميع وظائفها منعا لسهولة التخابر بين مناوئيه ومعارضيه.
[كراهيته الجمعيات، ومنعه استعمال بعض الألفاظ، وتضييقه على المؤلفات وصحف الأخبار:]
ومن غرائب الأمور التي تذرّع بها للحيطة على نفسه وسلطنته: كراهيته الجمعيات حتى اجتماع الأصحاب مع بعضهم للمسامرة والمؤانسة. وكان المجتمعون يحذّر بعضهم بعضا خشية أن يكون بينهم من يتجسس للسلطان والأغراب من هذا أنه منع استعمال الكلمات الآتية الذكر تلفظا وكتابة وهي:(كلمة جمعية، وخان، وخونة، وعزل، وخلع) ، وما تصرف من هذه الكلمات، (ومراد، ورشاد، ويلديز) ، وغير ذلك من الألفاظ التي مفهومها التحزب والاجتماع والعزل والخلع، حتى إن هذه الكلمات هجرت «١» استعمالها في أيامه الصحف الإخبارية، والصكوك الشرعية، والنظامية، والمؤلفات العلمية، فلا يجوز لكاتب أن يأتي بكلمة:«جمعية» ، ولا لقاض، أن يقول