كان الناس يتكبدون مشقة زائدة وهم في الصحراء والبساتين بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعرا محدودا، فإن كل واحد من باعة الخبز واللحم وغيرهما يبيع بضاعته بالثمن الذي تسنح له به الفرصة، وكان الدعّار والمتشردون يقصدون الدور والمنازل وينهبون ما فيها من الأثاث والمؤنات، فاضطر أهل كل محلة إلى أن يتعاونوا على إقامة حراس يحرسون أموالهم. وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي قد تركوا منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب، وشغلهم الخوف والفزع عن القيام بمباشرة وظائفهم.
فاختل نظام الحكومة وكثرت حوادث النهب والسلب.
أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتموّلون أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم، وقد استخرج البعض منهم وفيهم رمق من الحياة فعاشوا، ومنهم من مات بعد ساعات، واستخرج بعض من خرّت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض السقوف انهدم جدارها الواحد فقط، فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة بالجدار الباقي فتكوّن منها وقاء لمن كان مقيما تحتها فسلم. أما الفقراء الذين لا مال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونه تحت الردم في الخرابات الكبيرة فكانت هناك قبورهم إلى الأبد.
كانت الأرض في هذه المدة- وهي أربعون يوما- لا تنقطع حركتها، غير قليل، فكان الناس يحسّون من وقت إلى آخر برجفات تحت أقدامهم. وقد شاع أن قطعة كبيرة من الأرض في ناحية قرية الأثارب قد خسفت، ولهذا كان كثير من الناس لا ينفك عنهم الفزع والقلق لأنهم قد تسلط على واهمتهم بأن الأرض ربما خسفت بهم وإن كانوا آمنين من سقوط الجدران عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية. وكانت السنة كثيرة البقول والفواكه قد أكثر الناس من أكلها فكثرت فيهم الأمراض، ومات منهم عدد كبير. وفي سنة ١٢٣٨ ولي حلب ثانية مصطفى باشا البيلاني. وبعد أيام حول إلى محافظة لواء صيدا وبيروت وصفد، وولي حلب بهرام باشا والي الرقة إلحاقا.
[مقتل نعمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي شريف:]
في هذه السنة ١٢٣٨ قتل نعمان أفندي. وسبب ذلك أن بهرام باشا لما قدم على حلب واليا عليها طلب من نعمان أفندي أن يقرضه مائتي ذهب إلى حين، فاعتذر له بضيق اليد،