في هذه السنة صدرت أوامر الدولة بإبطال الجزية- وهي المسماة عند الدولة العثمانية باسم «البدل العسكري» - وأن يستعاض عنها تجنيد شبان الطائفتين أسوة بأمثالهم من طوائف الرعايا العثمانيين. وبناء على ذلك أجريت القرعة الشرعية على عامة شبان الرعية العثمانية، فجند فيها شبان الملل الثلاث المسلمون والمسيحيون والإسرائليون، وهي أول قرعة كانت على هذا النمط. وقد سرّت الطائفتان الأخيرتان من هذا الصنيع سرورا زائدا لتخلصهم من غائلة البدل العسكري. ثم انقلبت مسرّتهما إلى الاستياء بعد أن باشر شبانهما الجندية وزاولوا بعض ما فيها من المشقات العسكرية التي يصعب عليهم تحملها لعدم تعودهم عليها، فكانوا يتذمرون من الجندية ويتظاهرون بندمهم على تعرضهم إليها ولا تحين «١» ندامة.
[كلمة في الجزية والبدل العسكري:]
الجزية شيء معلوم من النقود يعطيها المعاهد من أهل الذمة على عهده في كل سنة وسميت جزية لاجتزاء المعاهد بإعطائها عن القيام بالجهاد، كما قاله الزيلعي. وهي بحكم الشريعة الإسلامية لا تؤخذ إلا من الحر البالغ الصحيح العاقل المحترف، فلا تؤخذ عن العبد ولا عن مكاتب ولا عن امرأة ولا عن صبيّ، ولا عن مجنون ولا عن مزمن وأعمى وفقير غير محترف، ولا من راهب لا يخالط، لأنها خلف عن النصرة وهؤلاء لا تجب عليهم النصرة.