آفة على البشر أهلكت من النفوس ما يعدّ بعشرات ألوف الألوف، ماتوا ميتات مختلفة ما بين قتيل وغريق ومحروق ومفقود، وميت بالثلج والبرد وهالك بالجوع وأنواع الأمراض وغير ذلك من صنوف البلاء. ناهيك أن عدد الجيش العثماني كان في أثناء هذه الحرب الطاحنة مليونين و ٨٥٠ ألف رجل استشهد منهم من ضبطت أسماؤهم فقط ٣٢٥ ألف ضابط، وعدد الجرحى ٤٠٠ ألف، ومجموع الأسرى والمنهزمين مليون و ٥٦٥ ألف رجل. وإن ما أنفقته هذه الدولة في هذه الحرب من الأموال يبلغ نصف مليار من الذهب العثماني. هذه هي خسائر الدولة العثمانية فقط من الأموال والنفوس. ومنه يعلم بالقياس مقدار ما خسرته بقية الدول العظام من هذين النوعين. هلك في هذه الحرب للدولة العثمانية في حملتها على ترعة السويس فقط اثنا عشر ألف جمل، بله ما هلك فيها من بقية المواشي مما لا يدرك حدّه ولا يمكن عدّه فإن البغال والحمير والخيول في بلادنا كادت تدهى بغائلة الانقراض والانمحاء.
هذا وإن أخبار الحرب العالمية قد تستوعب مجلدات ضخمة تملأ المكتبات مما ليس الإتيان به في استطاعتنا، فضلا عن كونه ليس من واجباتنا في هذا التاريخ الخاص. وإنما علينا- قبل الشروع بسرد حوادث هذه الحرب في حلب وبعض ملحقاتها- أن نأتي بمقدمة إجمالية يتصور منها القارئ فداحة خطبها ويدرك شيئا من أحوالها وأسبابها على وجه الإجمال فنقول:
[الدول المتحاربة مع بعضها:]
الدول المتحاربة مع بعضها ثمان وعشرون دولة. وهي تقسم إلى فريقين، أحدهما نطلق عليه اسم (دول الاتفاق) والآخر نطلق عليه اسم (التحالف المربع) . أشهر دول الفريق الأول: إنكلترا، روسيا، فرنسا، أميركا، اليابان، الصين، بلجيكا، اليونان، الصرب، الحبل الأسود، رومانيا، البرتكيز، وغير أولاء الدول مما لا تخطر أسماؤهن في بالنا.
أما دول التحالف المربع فهن: دولة ألمانيا، النمسا، تركيا، البلغار.
جميع دول الاتفاق أعلن الحرب على دول التحالف المربع متعاقبات دولة إثر دولة.
إن عدد جيوش دول الفريق الأول يفوق بكثير جدا عدد جيوش الفريق الثاني، ومع هذا