كانت الأمطار في شتاء السنة الماضية قليلة جدا بحيث يئس الناس من حياة الزروع، فارتفع سعر شنبل الحنطة في حلب إلى ألفي قرش، كما أشرنا إلى ذلك قريبا، واشتد الخطب على العجزة والضعفاء والفقراء وأصبح كثير من الناس يقتاتون بالحشيش يسلقونه ويأكلونه فترم «١» سوقهم ويموتون. ومنهم من يقتات بقشور البقول والفواكه وتفل النّشا- المعروف بالدوسة- والعظام. وبعض الجزارين يخلط لحوم الحمير بلحوم الغنم ويغش بها الناس.
وصار الجوع يفتك بالفقراء فتكا ذريعا وقد ملأ ضجيجهم الفضاء فكان الإنسان يتألم من صياحهم وتضورهم، خصوصا حينما كان يشاهد بعض موتاهم جثثا هامدة في الأزقة والشوارع رجالا ونساء وأطفالا، الأمر الذي أثار الحمية وأزكى نار المروءة في أفئدة جماعة من أهل النشاط والوجاهة، فسعوا بتأليف جمعية خيرية تهتم بجمع إعانة نقدية من أهل الخير تصرفها في قيمة خبز تفرقه على المعوزين المذكورين. فما مضى غير أيام قليلة حتى بلغ ما جمع من هذه الإعانة نحو خمسة وعشرين ألف ورقة مائة، وكان سعر الورقة في التجارة نحو ثلاثين قرشا. ثم إن هذه الجمعية أخذت المدرسة الشعبانية والقرناصية والإسماعيلية وغيرها من الأماكن، وحشدت فيها المعوزين من النساء والأطفال ليس إلّا، وجعلت الجمعية تفرق على كل واحد منهم رغيفين في اليوم. وقد بلغ مجموعهم نحو ألفي نسمة، وهذا العدد بالحقيقة يقدّر بثلث عشر فقراء مدينة حلب، فإن عددهم يقدر بتلك الأيام بستين ألف فقير من المسلمين فقط. أما فقراء الطوائف المسيحية والإسرائيلية فكان يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف فقير.