وفي هذه السنة بدأت أسعار الحبوب تتصاعد في بعض الأقضية الغربية من ولاية حلب كأنطاكية وإسكندرونة وحارم؛ لأن المواسم في تلك الجهات كانت غير جيدة في هذه السنة، وبيع رطل الحنطة في أنطاكية باثني عشر قرشا بدل ثلاثة قروش.
حجز الغلّات:
وفيها وضعت الجهة العسكرية يدها على الغلّات في خانات حلب ومنعت أصحابها من بيعها، فانقطع وارد الحبوب من القرى وغلت أسعارها وبدأ الفقير يحس بعضّ أنياب الجوع.
[الجراد النجدي:]
وفيها وصل إلى حلب بغتة نوع من الجراد لم يكن قبل معروفا في هذه البلاد، وسماه الناس جرادا نجديا. وهو شيء كثير انتشرت جيوشه من أطراف الحجاز إلى أوائل بلاد الأناضول، فعم ضرره بلاد دمشق وفلسطين وحلب وأذنة. وقال بعضهم: إنه وصل إلى أزمير. أتى هذا الجراد على جميع ما في حلب ونواحيها ومفاوزها من الأعناب والتين والزيتون والفواكه والقطن والسمسم والذرة وأنواع اليقطين والبطيخ، وأضرّ الأشجار ضررا عظيما لأنه كان يأكل ورقها ثم يتبعه بأكل لحائها، فكانت الشجرة تسقط ثمرتها ثم تجفّ وتصير حطبا.
ومن عجيب أمر هذا الجراد أنه مخالف في نشوئه وغراسه جراد بلادنا. يغرس وينقف مرة في كل شهرين غير متأثر بالشتاء ولا بالصيف، وهو يغرس في الأرض الصلبة والمفلوحة بين الزروع، بخلاف جراد بلادنا فإنه لا يغرس إلا بالأرض الصلبة ولا ينقف في السنة إلا مرة واحدة، يغرس في تموز وينقف في نيسان، ولا يأكل النباتات المرة. والجراد النجدي هذا يأكل كل نبات يمرّ به. وقد عدّت بليته هذه أول ضربة سماوية إذ لا دخل في إيجادها للحرب العامة.