في أوائل محرّم هذه السنة وصل إلى حلب جمهور من الموظفين والمستخدمين فرارا من وقوعهم أسرى في قبضة المستولين، قادمين من دمشق وبيروت وغيرهما من البلاد السورية والساحلية التي قرب استيلاء الجيوش الإنكليزية العربية عليها، متوجهين إلى استانبول والأناضول. وكان مع هؤلاء الموظفين أهلهم من النساء والأطفال، فازدحموا في سكة حديد بغداد وظل الكثيرون منهم عدة أيام تحت السماء بلا غطاء ولا وطاء، فنالهم من المشقة ما لا مزيد عليه.
[خبر سقوط دمشق وتشتت شمل الجيوش العثمانية:]
يوم الثلاثاء- ثالث يوم من محرّم هذه السنة- وصل الخبر إلى حلب بأنه في ظهيرة يوم الاثنين، ثاني يوم من الشهر الحالي، استولى على دمشق الشام عرب الشريف، الذين هم في مقدمة جيوش الدولة البريطانية، وكان السواد الأعظم من موظفي تركيا فيها قد خرجوا منها قبلا كما ذكرناه آنفا، وحين دخول العرب إليها أقيم أحد كبراء أولاد المرحوم الأمير عبد القادر الجزائري مقام الوالي ليقوم بإدارة توطيد الأمن والسلام في المدينة ريثما يحضر إليها- من قبل الشريف حسين ملك العرب- من يتسلم زمام إدارة أمورها.
وقد ارتاع الناس في حلب من هذا الخبر وعجبوا من سرعة سقوط هذه المدينة العظيمة في أقرب وقت وكانوا يقولون: إنها لا يمكن سقوطها بأقل من سنة. وقد تشتت شمل الجيوش العثمانية الألمانية في جهات درعا ومزقوا كل ممزق ما بين أسير وقتيل في الحرب وضائع ومتردّ ومقتول من قبل عرب البوادي وسكان القرى المتوسطة بين دمشق ولبنان وبعلبك. وكانت جبهة الحرب في جهات درعا، وهناك كانت هزيمة جيوش الأتراك ومن معهم من الألمان. وكان سبب انكسارهم الفجائي- الذي لم يكن في الحسبان-