للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلبون المدينة واجتمع عسكر المسلمين بالبواسير وميدان الحصى وأجالوا الرأي فيما يعتمدونه، فأشار عليهم الملك المعظم ألّا يخرجوا أصلا لكثرة التتر وقوتهم وضعف المسلمين عن لقائهم، فأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدوّ فيهم.

فخرج العسكر إلى ظاهر البلد وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل وأوكبوا على القرية «١» المعروفة ببابليّ. فنزل جماعة من العسكر إليهم ليقاتلوهم فلما رآهم التتر اندفعوا بين أيديهم مكرا وخداعا فتبعوهم ساعة من النهار ثم كرّ التتر عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتر في إثرهم. فلما جاؤوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم طالبين البلد، فاختنق من المسلمين خلق كثير في أبواب البلد والتتر في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ونازلوا المدينة في ذلك اليوم إلى آخره. ثم رحلوا طالبين عزاز فتسلموها بالأمان.

ولما بلغ الملك الناصر خبرهم وهو بدمشق أشخص كمال الدين بن العديم رسولا إلى الملك المنصور صاحب مصر يستنجده عليهم فرجع بالخيبة. وأما الملك الناصر فإنه خرج من دمشق إلى برزة في أواخر هذه السنة وجفل الناس بين يدي التتر، وسار من حماة إلى دمشق الملك المنصور صاحب حماة، ونزل مع الناصر ببرزة. وكان ببرزة بيبرس البندقداري صاحب الكرك، فاجتمع عند الملك الناصر ببرزة أمم عظيمة من العساكر والجفّال «٢» ، غير أن الملك الناصر بلغه أن جماعة من مماليكه قاصدون اغتياله، فهرب إلى قلعة دمشق وخافه مماليكه فهربوا إلى جهة غزّة، وسار البندقداري معهم.

وأما التتر فإنهم في صفر سنة ٦٥٨ عادوا إلى حلب، لأن هولاكو بن تولي بن جنكز خان كان قد عبر الفرات بجموعه ونازل حلب، وأرسل إلى الملك المعظم نائب حلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة «٣» وبالقلعة شحنة ونتوجه نحن إلى العساكر، فإن كانت الكسرة على عسكر المسلمين كانت البلاد لنا وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم

<<  <  ج: ص:  >  >>