للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقالات الصريحة المشعرة بالغرض من انعقاد هذه الجمعية وأحوالها وماجرياتها. وهو كتاب كبير يستغرق زهاء مائتي صحيفة، تدل مقاصده ظاهرا على أن هذه الجمعية لا تطلب من الدولة العثمانية سوى منح البلاد العربية اللامركزية على شرط بقائها تحت العلم العثماني، حتى إن واحدا من المتطرفين من رجال هذه الجمعية أشار في كلامه إلى لزوم انفكاك هذه البلاد عن العثمانية بتاتا والانضواء تحت راية دولة أخرى، فرد عليه الجميع كلامه وقالوا: لا نرضى أن يظلنا غير راية الهلال.

هذا ما يدل عليه ظاهر مقاصد هذه الجمعية. والمفهوم من مقدمة هذا الكتاب- وعبارات الخطب التي اشتمل عليها- أن الذي حمل هذه الجمعية على طلب اللامركزية أمور كثيرة يطول شرحها، وخلاصتها: استئثار دولة تركيا بدخل البلاد دون أن تترك لها منها ما يقوم بتعميرها وجعلها في عداد بلاد الأمم الراقية بمعاهدها العلمية ومعارفها العمرانية التي تثمر أطاييب الحياة لمن جناها من الأمم، وأن تركيا بسبب سوء إدارتها تركت هذه البلاد- التي هي مصدر الترقي ومهد التمدن- مهملة معطلة، أرضها موات وأهلها في عداد الأموات، وقد أهملت المعدات البرية والبحرية الحربية حتى أصبحت تعجز عن أقل عادية تطرأ على بلادها، فصارت مسرحا لمطامع الدول المستعمرة. ومن جهة أخرى خصت أبناء جنسها الأتراك بالخدم العالية، وصرفتها عمن هو أجدر بها منهم من أبناء العرب الذين يتألف منهم ثلثا أهل هذه المملكة. وزد على ذلك ما هو مشاهد من مأموريها وحكّامها من الظلم والجهل وسوء الإدارة والتجاهر بالرشوة والانهماك بالرذائل، إلى غير ذلك من الأمور التي تكون عقباها بلا ريب انسلاخ هذه البلاد من يد العثمانيين إلى يد دولة أخرى لا يبقى معها خيار للناس في كيفية حكمها عليهم.

هذه خلاصة بواعث الجمعية على طلب اللامركزية. على أننا لا ننكر وجود نافخ ينفخ في نار حميّة رجال هذه الجمعية لغرض يقصده، وهم يعلمون ذلك ولا يجهلونه وإنما اضطرهم إلى الاستكانة إليه قلّة الظهير والنصير لهم، عملا بقول الشاعر:

إذا لم يكن غير الأسنة مركبا ... فما حيلة المضطرّ إلا ركوبها «١»

إن رجال هذه الجمعية لم يكونوا هم أول من أدرك سوء مصير حالة الدولة العثمانية،

<<  <  ج: ص:  >  >>