للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسّ بانحطاطها إلى الدرجة الأخيرة فقنطوا من صلاحها وأيقنوا بضياع بلادها فقاموا يتحدثون في طلب اللامركزية إبقاء لكيانها؛ بل البادئ بإدراك ذلك قبلهم والمتحدث به كثيرون من متبصري رجال الدولة الأتراك وعقلائهم، حتى إنهم كانوا يعلنون مداركهم هذه في صحف الآستانة ويتظاهرون باستحسان منح اللامركزية الأمة العربية وأنه أبقى على البلاد وأرفق بحالة العباد.

إن اليأس من صلاح هذه الدولة في تلك الأيام قد بلغ غايته، وإن ضعفها المتناهي الذي أهاب به انكسارها في طرابلس الغرب والبلقان قد أزال ما كان لها من الهيبة والرهبة في قلوب شعبها، فأمنوا بطشها وصار الكثير منهم ينادي علنا بلزوم اختيار دولة غربية تتولى هذه البلاد ليأمن أهلها الغوائل تحت رايتها، فكان أكثرهم يختار دولة إنكلترا، وأقلّهم يختار غيرها، وصدى ضوضائهم في اختلافهم على ذلك يدوّي في أصمخة «١» ولاة الحكومة التركية فيتصامّون عنه ولا يقدرون على ردّه.

فهل- والحالة هذه- يعدّ رجال تلك الجمعية متهوّرين؟ وهل يلامون على قيامهم لطلب اللامركزية التي هي أخفّ الضررين؟

وهب أن اللامركزيين المذكورين كانوا غير محقّين في قيامهم هذا، أفيمكن للاتحاديين أن يتبرّؤوا من وصمة الغدر بهم؟ بعد أن حلوا عقدة مؤتمرهم طوعا حينما ألانت لهم الحكومة القوله، ونادتهم بالرجوع إلى أحضانها ووعدتهم بإجابة طلبهم وأمّنتهم على أرواحهم، وأعطتهم على ذلك العهود والمواثيق، وأسندت إلى كل واحد منهم وظيفة باشرها بكل صدق وأمانة، ومضى عليه زمن طويل ولم يظهر منه أقلّ شيء يدل على سوء نيّته. وبينما كان كل واحد منهم قائما بخدمته مثابرا على عمله في إبان الحرب العامة إذ دعي إلى الديوان العرفي المفتتح في «عاليه» فاستوقف فيه موقف خصم الدولة وعدوّها، وبعد أن ذاق في سجنه أنواع العذاب وتجرّع من كأس الذل والتضييق أمرّ من الصاب «٢» ، واستغرق في المحاكمة أمدا طويلا إرغاما له وتنكيلا؛ حكم عليه بقصاص القتل تعليقا «٣» . ثم في

<<  <  ج: ص:  >  >>