ليلة واحدة نفذ هذا الحكم على واحد وعشرين شخصا من رجال هذه الجمعية، علّق بعضهم في بيروت وبعضهم في دمشق، كما أشرنا إلى ذلك في حوادث سنة ١٣٣٤.
كان الأشخاص المقتولون من مشاهير رجال سوريا وذوي العقول المنوّرة منهم، ولهم شيعة كبيرة تسير على سننهم وتقتفى آثارهم في أعمالهم وتعتقد بهم كل فضيلة وكمال.
ولذا نقول: إن الاتحاديين أخطئوا في هذه الحادثة من عدة وجوه:
الأول: قتل الرجال المذكورين؛ لأنه كان من أكبر الدواعي لتنفير قلوب شيعتهم الكبيرة العربية من الحكومة العثمانية، في الوقت الذي كان اللازم فيه على الاتحاديين أن يجتهدوا بعمل ينشأ عنه عكس ذلك، أي بعمل ينشأ عنه تحبيب القلوب بالحكومة العثمانية واستمالتها إليهم بمقتضى موقفها الحرج الذي هو في حاجة شديدة إلى تكثير عدد الصديق وتقليل عدد العدوّ. حتى لو فرضنا أن الرجال المذكورين كانوا يستحقون القتل حقيقة؛ كان الواجب السياسي يقضي على الحكومة في هذا الوقت الحرج ألّا تقتلهم؛ بل بعد أن تحكم عليهم بقصاص القتل وتوهمهم بأن لا مناص لهم من هذا القصاص- إظهارا لقدرتها وتنويها بسطوتها- تفاجئهم بصدور العفو حلما منها وحنانا عليهم، ثم يستتابوا وتتلى عليهم النصائح والمواعظ ويقال لهم: عفا الله عما مضى ويستمالوا بالمعروف وتملك قلوبهم بالإحسان، فيندمون على ما فرط منهم ويعترفون بفضل دولتهم وفرط رأفتها وحلمها عليهم، وتتبدل عداوتهم لها بالصداقة ويخدمونها بكل أمانة وإخلاص. حكي عن إسكندر المكدوني أنه قيل له: بم نلت هذه المملكة العظيمة على حداثة السن؟ فقال: باستمالة الأعداء وتصييرهم بالبر والإحسان أصدقاء وتعاهد الأصدقاء بأعظم الإحسان وأبلغ الإكرام.
الثاني: غدر الاتحاديين بهم وعدم احترامهم وعود حكومتهم. ومعلوم أن وفاء العهد إذا كان من حيث هو واجبا فهو على الحكومة أشد وجوبا؛ لأن الحكومة قد يكفيها وفاء العهد والوعد مؤنة حرب عظيمة إذا عرفت باحترام العهود، فأما إذا كانت معروفة بإخلاف الوعد ونكث العهد فإنها تفقد الثقة من القلوب وتصبح مضطرة إلى استعمال القوة والعنف في كل غاية تطلبها. الأمر الذي يجعل الحكومة طول حياتها في تعب ونصب، ولهذا قيل فيما ينسب إلى الفرس: فساد المملكة واستجراء الرعية وخراب البلاد بإبطال