الوعد والوعيد. ومن هذا القبيل ما أورده ابن خلدون في الفصل ١٩ من الفصل الثاني من مقدمته فراجعه. وقد ظهرت آثار صدق هذا الكلام فيما نتج من غدر الاتحاديين بهؤلاء الجماعة وما جنوه في عملهم هذا على دولتهم من المتاعب والمعاطب وتعجيل ضياع بلادها وتنفير قلوب شعوبها.
وقد زعم جمال باشا في مذكراته أن قتل هؤلاء النفر لم يكن مبنيا على ما صدر منهم في مؤتمرهم الذي عقدوه في باريس؛ بل كان قتلهم مبنيا على أمور صدرت منهم بعد العفو عنهم حالة قيامهم في وظائفهم. على أن جمال باشا ذكر هذا ولم يذكر شيئا مما زعم صدوره منهم بعد العفو المذكور. والحق يقال: إن إراقته دماء هؤلاء الجماعة لم يكن إلا تشفيا لغيظه من العرب، عادّا عمله هذا فوزا عظيما وانتصارا مبينا، به سماه مدّاحوه والمتقربون إليه فاتح سوريا وبطل تركيا. ولو أمنوا بطشه لسمّوه بسبب هذه الجريمة مضيّع سوريا وناكب تركيا.
والأمر الغريب أن جمال باشا بعد أن غدر بهؤلاء الرجال أحس بأن العرب قد نقمت عليه عمله وعدّته ظلما وتشفيا، فأراد أن يعتذر للعرب بقتلهم ويوهمهم بأنه لم يقتلهم إلا لأنهم يستحقون القتل لجرائم صدرت منهم، فأمر أن يلفّق له كتاب تذكر فيه جرائمهم وذنوبهم التي استحقوا من أجلها القصاص، مع بيان الأعذار الشرعية والقانونية التي دعت الحكومة إلى قتلهم. فلفق له هكذا كتاب وطبع ونشر، فكان المتبصرون من قرائه يرون أن أكثر الأعذار المستند إليها في قتلهم حجّة على جمال لا حجة له، وأن باقي الأعذار المسرودة في هذا الكتاب مما لا يوجب عليهم شيئا من العقوبة أكثر من التوبيخ أو الحبس مدة يسيرة ليس إلا. ولذا قيل إن هذا الكتاب لما اتصل خبره بالقائد العسكري الألماني معاون جمال واطلع على ما فيه بواسطة مترجمين رأى أنه مما يؤكد غدر جمال باشا وظلمه، عكس المراد منه، وأنه مما يزيد نفور الرعية من تركيا ويضاعف حقدهم عليها. فأمر بجمع ذلك الكتاب وإحراقه، فجمع منه القدر الكثير وقلّت بين أيدي الناس نسخه:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأوّل ما يجني عليه اجتهاده
ومن منفرات قلوب الرعية- خصوصا منهم الحلبيين- قتل أفراد منهم لأغراض دنيئة قامت في مخيلة جمال باشا زعما منه بأن قتلهم من الأمور التي تقتضيها السياسة،