وهو امتصاص دم الأهلين واستنزاف أموالهم، وقلما يمضي شهر واحد إلا ويظهر فيه شيء من هذه الإعانات، فكان جباة الأموال ورجال الدرك المتقدم ذكرهم يتوجهون إلى القرى بحجة تقاضي هذه الأموال من أهلها، فيقبلون على القرية وقد قبضوا على السياط بأيديهم، فيستقبلهم أهل القرية لينزلوهم عن دوابّهم ويأخذوهم إلى دار ضيافتهم، فلا يكون سلام أولئك الظلمة عليهم سوى إعمال السياط في أجسامهم وسبّهم ومخاطبتهم بأقبح لسان.
وأول شيء يطلبونه من القروي أن يقدّم العلف لدوابّهم، فإذا لم يكن عنده شعير كلفوه أن يقدم لها علفا من مؤنته التي تتوقف عليها حياته، ثم يكلفونه أن يقدم إليهم طعامهم من اللحوم والدجاج والبيض وغيرهما من الأطعمة التي يندر وجودها عنده في أيام هذه الحرب. فإذا لم يقدر أهل القرية أن يتداركوا لهم هذه المآكل وقدّموا لهم من طعامهم المعتاد قام أولئك الظلمة عليهم وأوسعوهم ضربا وشتما، ثم هجموا على ما يرونه في القرية سارحا من الدجاج والربائط «١» التي يستخرج منها أهلها أدمهم الضروري، فيذبحونها ويأمرونهم بطبخها وتقديمها إليهم.
وإذا بصر هؤلاء اللصوص في بيت من بيوت القرية بما يعجبهم من البسط واللّبابيد أخذوه كأنه غنيمة من مال حربي، ثم يطلبون المتأخر على القرية من الأموال التي تقدم ذكرها، فيجمع لهم المختار من أهل القرية ما يقدر على جمعه من النقود ويدفعها لهم رشوة على سكوتهم عن طلب المتأخر عندهم من الأموال التي يعجزون عن وفائها لفقرهم بسبب تسلط الحكومة عليهم. وإذا كان أهل القرية لا يجدون ما يرشون به هؤلاء اللصوص فلا تسل حينئذ عما يفعلونه بهم من المظالم والفظائع، فربما كانوا يأتون بالرجل ويشدّونه بالحبال ويدهنون وجهه دبسا ويقفونه في ضحّ الشمس «٢» . وربما ضربوه ضربا مبرّحا ونتفوا لحيته ولطخوها بالقذر. وقد يهرب رجال القرية من وجوههم فلا يبقى فيها سوى النساء والأطفال، وحينئذ يأتون بالمرأة المصونة ويطرحونها على الأرض ويرفعون رجليها للضرب فتبدو سوءتها لتقرّ لهم عن مكان رجل بيتها، وربما مسّ بعضهم شرفها، ثم يهجمون على