فمن عبارات الشق الأول، قول جمال باشا بعد فشل الحملة:«فلو كتب لنا النجاح لهذا المشروع الذي هو محض مظاهرة مصحوبة بقوة عسكرية لاعتبرناه فألا حسنا لتحرير الإسلام وتخليص الإيمبراطورية العثمانية» ، وقوله:«إن المشروع إنما كان محض استطلاع هجومي على القناة لمعرفة الموادّ التي لدى العدو وما نحتاجه نحن أنفسنا من المواد لعبور القناة. وبما أننا أدركنا غايتنا تماما فالأصوب أن ننسحب إلخ» .
ومن عبارات الشق الثاني، قول جمال معربا عن هواجس نفسه إبان السّرى «١» في صحراء التيه: «ونحن نواصل السير بالليل على ضوء القمر؛ كان قلبي مفعما بالكآبة الممزوجة بالأمل الكبير في النجاح كلما رددت الموسيقى أنشودة الراية الحمراء تخفق فوق القاهرة، والتي على وقعها شقّت الصفوف الزاحفة طريقها في ذلك القفر الذي لا نهاية له» .
أقول: الذي يتبادر للذهن أن الغاية كانت من هذه الحملة هو الفتح والاستيلاء لا التمهيد لحملة أخرى، وذلك أن التأهب لها كان عظيما لا تحتاجه فيما لو كان الغرض منها محض استطلاع واستكشاف. غير أن هذا التأهب وإن كان عظيما فهو بلا ريب دون ما تحتاجه حملة يقصد منها الهجوم على قناة السويس لأجل الاستيلاء على مصر وسلبها من يد أعظم دولة في العالم، بل كان من أقلّ ما يلزم لهذه الحملة في اجتيازها إلى برّ مصر أن تردم الترعة ويدخل منها جيش لجب «٢» إلى برّ مصر ويبقى نظيره في برية الشام لعرقلة سير المدرّعات الإنكليزية الضخمة، ورميها بقنابل المدافع التي هي من عيارات واسعة، كما أشار إليه نفس جمال باشا بعد فشل حملته ومحاولة القائد الألماني إعادة هجوم الحملة مرة ثانية.
ومما يدل على أن الحملة كان المقصود منها الفتح والاستيلاء: تيقن جمال بنجاحها وأنه لا بد وأن يدخل إلى مصر ظافرا منصورا، بدليل إعداده جماعة تناط بهم خدمة الدرك في مصر واستحضاره- وهو في حلب- ملابس لهم، الأمر الدالّ على أنه كان غير شاكّ ولا مرتاب مطلقا في فوز حملته وتكليل مساعيه بالفلاح والنجاح.