بل ربما أدت في ظروف خاصة إلى إبادته عن بكرة أبيه. ولذا اضطر الاتحاديون إلى نقل الشعب الأرمني بأسره إلى جهة أخرى بحيث يؤمن شره من أن يعرّضوا المملكة العثمانية للمحن والخطوب الفوادح ويجلبوا عليها الطامة الكبرى، فيكون احتلال روسية لآسيا الصغرى بأسرها أول رزاياها.
ثم قال: أما ما وقع من الحوادث في خلال نفيهم فينبغي أن يعزى إلى الأحقاد المتغلغلة في نفوس الأتراك والأكراد والأرمن في أثناء سبعين عاما. وتبعة ذلك إنما تقع على السياسة الروسية التي حولت الشعوب الثلاثة- التي عاشت القرون الطويلة معا في صفاء وهناء- إلى أعداء ألدّاء ولا ينكر أن الفظائع التي جرت على الأرمن أثناء نفيهم في سنة ١٩١٥ م/ ١٣٣٤ هـ قد أثارت السخط الشديد، ولكن ما ارتكبه الأرمن في غضون ثورتهم على الأتراك والأكراد لا يقل عنها قسوة بل يفوقها فظاعة وغدرا. ثم قال: ولم يكن فرار الأتراك من ديار بكر، من طريق حلب وأطنة إلى قونية، ومن أرضروم وأزرنجان إلى سيواس من وجوه الروس، والفظائع التي ارتكبها الأرمن ضدهم، بأقل سوءا ووحشية منه.
ثم قال: فلنفرض جدلا أن الحكومة العثمانية نفت مليونا من الأرمن من ولايات الأناضول الشرقية وأن زهاء ٦٠٠ ألف منهم ماتوا أو قتلوا في الطريق أو سقطوا ضحية الجوع والتعب، فقد قتل ما يربو على مليون ونصف من الأكراد والأتراك في ولايات طرابيزون وأرضروم ووان وبتليس، قتلوا على صورة تقشعرّ منها الأبدان بأيدي الأرمن عندما زحف الجيش الروسي على تلك الولايات.
ثم إن جمال باشا استشهد على صحة ما قاله بتقريرين مفصلين مسهبين مقدمين من ضابطين روسيين- ذكر اسمهما- وقد أوضحا في تقريرهما حوادث الاعتداء التي ارتكبها الأرمن ضد الأهلين الأتراك في ولاية أرضروم وما جاورها، من مبدأ نشوب الثورة إلى أن استردت الجنود التركية قلعة أرضروم في ٢٧ فبراير سنة ١٩١٨ م/ ١٣٣٧ هـ.
انتهى ما قصدنا إلى إيراده من مذكرات جمال باشا.
أقول: في هذه السنة (١٣٣٣) بدأت تركيا بإجلاء الأرمن عن أوطانهم فكانت جالياتهم تصل إلى حلب زمرة تلو زمرة، كل زمرة منها تعدّ بعشرات الألوف. وقد أثرت