وفيها- في أواخر فصل الربيع- قدم على حلب والجهات الشرقية من ولايتها جراد كثير أتى على ما في البساتين من الخضر والبقول، وأكل ما في القرى من الزروع الصيفية كالبطيخ والقطن والسمسم، ثم غرز في الجهات المذكورة، فخاف الناس ضرره في العام التالي وضنّ أهل الثراء من المزارعين والمحتكرين بما عندهم من الحبوب فحبسوها عن البيع، فارتفعت أسعارها ارتفاعا فاحشا، وبيع شنبل الحنطة بمائة وعشرة قروش بدل ثمانين قرشا.
وكان شمندوفر «١» حلب وحماة ينقل من حلب كل يوم إلى ثغر بيروت نحو خمسمائة شنبل، فقام فقراء الناس وغوغاؤهم واجتمعوا، وأقبلوا جماهير على دار الحكومة يطلبون منها منع تسفير الحبوب بالشمندوفر. فلم تلتفت الحكومة إلى طلبهم مستندة على قاعدة (التجارة حرة) وحينئذ اجتمع من عامة الناس جمهور عظيم.
وفي ضحوة يوم الخميس ٢٤ رجب والسابع من آب هاجوا وماجوا وتراكضوا في الأسواق والشوارع، ينهبون ما يجدونه في الدكاكين والخانات من الأموال والأقوات ويصيحون ويضجون، فأجفل الناس من أمامهم وأسرعوا لقفل حوانيتهم، ووقع الفزع في قلوبهم فتراكضوا إلى منازلهم. ونمي الخبر إلى الوالي ناظم باشا والقائد العسكري باكير باشا فأسرعا الكرّة نحو باب الجنان لردع هؤلاء الغوغاء وصدّهم عن خانات الحبوب الموجودة هناك، وصحبا معهما عددا كافيا من العساكر فلم يبال الدّعّار بذلك ظنا منهم أن الحرية تبيح لهم هذا العمل، فظلوا منهمكين بنهب الحبوب والتطاول على الناس. وحينئذ أمر القائد بعض الجنود بإطلاق الرصاص عليهم تهديدا وتخويفا، فأطلقوا عياراتهم فخافت تلك العصابة من هجوم العساكر عليهم فوقفت عن حركتها، ثم هرب بعضها وألقي القبض على آخرين وزجّوا في السجن. ثم تتبعت الحكومة المنهزمين وقبضت عليهم وزجّتهم في السجون، وبعد الفحص والتحقيق عنهم أطلقت البريء منهم ونفت المتعدّي إلى البستان وغيرها. حتى إذا كانت أوائل شوال هذه السنة أطلقت سراحهم من المنفى.
على أن الحكومة بعد انقضاء هذه الحادثة رأت طلب الناس منع إخراج الحبوب إلى خارج الولاية صوابا، فأصدرت أمرها إلى البلدية بمنع تسفير الحبوب بالسكة الحديد، وأقامت الخفراء لمنع التسفير على محطة حلب والوضيحي، وبو الظهور، وأمّ ارجيم