وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام إبراهيم (مقبرة الصالحين) .
ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشنّت غاراتهم في بقية البلاد إلى الفرات.
ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جدّ المسلمون في قتالهم فدحروا الروم واقتطعوا منهم زهاء مائة رومي. ثم خرج علّاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا، كلهم من طيّئ وانهزم الباقون، وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم، ثم عقروا المواشي وكمنوا في الجبل خوفا من المسلمين وقد عزموا على الرجوع إلى القلعة ليلا.
ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال الروم الكامنين خالدا ومعه بعض رجال صناديد، فسار إليهم وكمن لهم حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولّوا منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه لمكايد الروم وسدّ عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه.
وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره الخبر ويستأذنه بالانصراف عن قلعة حلب لصعوبة مأخذها وقلة العسكر.
فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس وثلاثمائة مطية مردوفين، ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن القلعة أو تسلّم إليه، وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة وأكناف الجبال والأودية، ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من صالحه ويسالم من سالمه.
وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة، يقال له