ثم إن سيف الدولة اشتغل عن النهوض إليهم بوفود طرسوس فتمادت أيام مسيره وزاد ذلك في طمع البوادي. ثم قدّم مقدّمة إلى قنّسرين في يوم السبت لليلة خلت من صفر هذه السنة. فأقامت المقدمة أحد عشر يوما أملا أن ترعوي البادية فلم يرتدعوا. فبرز سيف الدولة إلى ضيعة يقال لها الراموسة على ميلين من حلب في يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وسار عنها في يوم الأربعاء فنزل تل ماسح وراح منه فاجتاز بمياه الحيار فطواها وتلقته مشيخة من بني كلاب وغيرهم فطرحوا نفوسهم بين يديه وسألوه قبول تسليمهم إليه.
وقصد سلمية فلما كان سحر يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر تجمعت الأعراب، كعب ومن ضامّها من اليمن، في عدّتها وعدّتها، وحبسوا ظعنهم بماء يقال له حيران، على نحو مرحلة من سلمية، وبعضهم بماء يقال له القرقلس وراءه. ووافت خيولهم مشرفة على عسكر سيف الدولة من كل ناحية. فركب لهم ووقع الطراد فلم يمض إلا ساعات حتى ركب أكتافهم وولّوا واستحر القتل والأسر بآل المهيا ووجوه عقيل وقوادها، وأسر خويلد بن عوسجة بن منصور بن المهيا، وشداد النعمي، وجه بني نعمة. فأطلق جمعهم منّا عليهم مع عدد كبير وأسروا وأطلقوا، وقتل من جمعهم نيّفا وخمسين رجلا، وأخذ منهم نحو مائتي فرس، ودروع من كان عليها.
ورحل سيف الدولة ضحوة نهار الجمعة متبعا لهم فأسرعوا لترحيل بيوتهم فوافى ماء حيران بعد الظهر فوجد آثار جفلتهم، وسار إلى ماء القرقلس وأمر بالنزول عليه. ثم عنّ له رأي في اتّباعهم فرحل لوقته إلى ماء الغنثر يوم السبت النصف من صفر، وتسع بقين من حزيران، وقدّم خيلا فلحقت ما لهم وحازته، فنزل على الغنثر قبل نصف الليل وقد امتلأت الأرض من الأغنام والجمال والهوادج والرحال، وقد تفرقت خيولهم واشتبهت عليهم الطرق، فوقع أصحابه على عدة منهم فقتلوهم. وسار وقت السحر إلى تدمر فنزل ماء الجباه على سبعة وعشرين ميلا من الغنثر، وتفرقت خيله في طلب الفلول فساقت الماشية وقتلت عدّة، وسار سيف الدولة من تدمر نحو السماوة فقتل وأسر وصفح عما ملكه من الحريم، ثم رجع من السماوة شفقة عليهم من الاستئصال لأن الكثير منهم يموتون عطشا وجوعا. وقد قصد فريق منهم جهة القلمون مما يلي دمشق. ثم عاد سيف الدولة إلى