ابن قطلمش وقعة انهزم فيها عسكر سليمان بن قطلمش وقتل سليمان نفسه وقيل قتل في المعركة. ومن المصادفة الغريبة أن سليمان هذا لما قتل نفسه لفّه تتش بكساء في صفر هذه السنة وأرسل به إلى ابن الحتيتي ليسلّم إليه حلب، نظير ما فعل المقتول سليمان المذكور بشرف الدولة في صفر السنة الماضية.
ولما وصلت جثة سليمان إلى ابن الحتيتي أجاب تتش بالمطاولة إلى أن يرسم ملك شاه في أمر حلب. فحاصر تتش حلب وملكها واستجار ابن الحتيتي بالأمير دانق بن أكسك، وكان من مقدّمي تتش فأجاره. وأما القلعة فكان بها، منذ قتل مسلم بن قريش، سالم بن مالك بن بدران ابن عم مسلم المقتول، فحاصر تتش القلعة سبعة عشر يوما ثم بلغه خبر وصول أخيه ملك شاه فرحل عن حلب.
وأما ملك شاه فإنه أقبل إلى حلب من أصفهان، لمكاتبة ابن الحتيتي له. وفتح في طريقه حرّان والرّها وكانت بيد الروم، وسار إلى قلعة جعبر، واسمها الدوسرية، وعرفت بجعبر سابق الدين القشيري، شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة فأمسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وملك منهم القلعة. ثم سار السلطان ملك شاه إلى منبج وملكها وسار إلى حلب وتسلمها وتسلّم قلعتها من سالم بن بدران العقيلي ابن عم شرف الدولة المقتول، وعوّض السلطان ملك شاه سالما عن قلعة حلب قلعة جعبر. ثم إن السلطان ملك شاه سار عن حلب واستخلف بها قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين زنكي الشهيد.
وفي سنة ٤٨١ سار أقسنقر صاحب حلب بعساكره إلى قلعة شيزر وفيها صاحبها نصر ابن علي بن منقذ وضيّق عليه ونهب الربض ثم صالحه وعاد إلى حلب.
وفي سنة ٤٨٢ عمرت منارة جامع حلب وقام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشّاب، وكان بحلب بيت نار قديم ثم صار أتون حمّام، فأخذ ابن الخشاب حجارته وبنى بها المئذنة المذكورة، فسعى به بعض حساده إلى أقسنقر زاعما أن هذه الحجارة لبيت المال، فقال ابن الخشاب لأقسنقر: يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين وكتبت عليه اسمك، فإن رسمت غرّمت ثمنها وكتبت عليها اسمي. فأجابه أقسنقر إلى إتمام مشروعه دون أن يغرّمه شيئا.