وفي سنة ٥١٤ سار إيلغازي إلى الفرنج واقتتل معهم عند دانيث البقل، من بلد سرمين، وظفر بهم ثم اجتمع إيلغازي وأتابك طغتكين صاحب دمشق وحصروا الفرنج في معرّة قنسرين يوما وليلة، فضايقهم. ثم أفرج عنهم خوفا أن يستقتلوا ويخرجوا للمسلمين فيظفروا بهم. وكان إيلغازي يخاف من التركمان الذين يحاربون معه لأنهم كانوا يجتمعون للطمع، فيحضر أحدهم ومعه جراب «١» فيه دقيق وشاة ويعد ساعات الغنيمة، فإذا طال مقامهم تفرقوا، ولم يكن مع إيلغازي ما يفرقه فيهم.
وفي سنة ٥١٥ عصى سليمان بن إيلغازي على أبيه بحلب فبغته أبوه، وسمل عيني من حسّن له العصيان وقطع لسانه، وهو أمير اسمه ناصر، وكان التقطه أرتق والد إيلغازي ورباه. وقطع إيلغازي أطراف رجل حموي من بيت قرناص وسمل عينيه لأنه من جملة المزيّنين لولده العصيان. والحموي المذكور كان محسنا إليه إيلغازي ومرئّسه «٢» على حلب، فجزاه بهذا الجزاء. ثم أراد إيلغازي أن يقتل ولده فمنعته رحمة الوالديّة فأفلته فهرب إلى دمشق. واستناب إيلغازي بحلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار الملقب ببدر الدولة. وفي سنة ٥١٥ أغار الفرنج على حصن الأثارب وأسروا وغنموا. وفيها هدمت قلعة الشريف.
وفي سنة ٥١٦ بنيت مدرسة بحلب لأصحاب الشافعي، وهي مدرسة الزجاجية التي تكلمنا عليها في باب الآثار في الكلام على محلة الجلوم. وفي سنة ٥١٧ أغار الفرنج على حلب وأعمالها وعجز عن مقاومتهم بدر الدولة وسلمهم حصن الأثارب ليكفّوا عن بلاده ويهادنوه. فبعد ذلك استقام أمر الرعية بأعمال حلب وجلبت الأقوات وغيرها. ولما سمع بلك بهرام- ابن عم بدر الدولة- أن ابن عمه سلم الأثارب للفرنج سار من حرّان- وكان قد ملكها- إلى جهة حلب ونازلها في ربيع الأول منها وضايقها وأحرق زروعها فسلّمها والقلعة إليه ابن عمه بدر الدولة بالأمان في غرة جمادى الأولى منها.