وفيها توفي عز الدين إبراهيم بن محمد وصارت بلاده بعده- وهي منبج وقلعة نجم وأفامية وكفر طاب- لأخيه شمس الدين عبد الملك. فسار إليه الملك الظاهر وملك منه منبج، وعصى عليه شمس الدين بالقلعة فحصره الملك الظاهر واستنزله بالأمان واعتقله وملك منه القلعة. ثم سار الملك الظاهر إلى قلعة نجم فملكها، وبها نائب شمس الدين المذكور. ثم أرسل الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم على أن يصير معه على عمه الملك العادل صاحب مصر، فاعتذر إليه صاحب حماة بيمين في عنقه للملك العادل على أن يواليه. فلما أيس منه سار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب، وكانت لشمس الدين المتقدم ذكره.
ثم سار إلى أفامية وبها قراقوش نائب شمس الدين أيضا فلم يتيسر له تملكها، فرحل عنها وتوجه إلى حماة وحاصرها في اليوم السابع والعشرين من شعبان هذه السنة وبقي عليها إلى أيام من رمضان، وجرى بينه وبين الملك المنصور قتال شديد وجرح الملك الظاهر بسهم أصابه في ساقه، ثم صالح الظاهر المنصور على ثلاثين ألف دينار صوريّة ورحل عنها إلى دمشق وبها الملك المعظم بن الملك العادل فنازلها الظاهر وأخوه الملك الأفضل، وانضم إليهما عدة من أمراء الصالحية. واتفق الملكان الظاهر والأفضل على أنهما إذا فتحا دمشق يتسلمها الملك الأفضل، ثم يسيران معا إلى مصر ويأخذانها من الملك العادل ويتسلمها الملك الأفضل، وحينئذ يتسلم دمشق الملك الظاهر. ولما قرب على الملكين افتتاح دمشق حسد الملك الظاهر أخاه الأفضل على ملكها، ووقعت الوحشة بينهما وتفرق عسكرهما وأبطلا القتال وراسلا الملك العادل وصالحاه، ورحل كل منهما إلى مستقرّه وفيها كان بالجزيرة والشام والسواحل زلزلة عظيمة هدمت عدة مدن.
وفي سنة ٥٩٨ خرب الملك الظاهر قلعة منبج خوفا من انتزاعها منه، وأقطع منبج عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن محمد بن أحمد المشطوب. وفيها أرسل قراقوش نائب شمس الدين بأفامية إلى الظاهر بتسليم أفامية بشرط أن يعطى شمس الدين اقطاعا يرضاه. فأقطعه الملك الظاهر الراوندان وكفر طاب ومفردة المعرة، وهو عشرون ضيعة معينة من بلاد المعرة، وتسلم أفامية. ثم عصى شمس الدين بالراوندان فسار إليه الظاهر وأخضعه.