وروى غير واحد أن بركه خان هو أول من دخل في دين الإسلام من أعقاب جنكز خان، وأنه هو الذي أتم بناء بلدة سراي وكان أخوه باتو بدأ ببنائها وهي عاصمة دشت قفجق، ويقال عنها إنها هي البلدة المعروفة الآن باسم أردهان- المحرّفة عن أوردي خان- وكانت من أعظم المدن وضعا وأكثرها للخلق جمعا، مبنية على شط من نهر أتل (وولغا) الذي لا نظير له في العظم وعذوبة الماء، وهو قدر النيل ثلاث مرات وأكثر.
كان عند بركه خان وعند أوز بك خان- وجان بك بعده- العلامة فخر الدين الرازي، والشيخ سعد الدين التفتازاني، والشيخ جلال الدين شارح الحاجبية، وغيرهم من الفضلاء الحنفية والشافعية. وكانت بلدة سراي مجمع العلماء والأدباء. وكان انتهاء بنائها سنة ٦٥٥ وابتداء خرابها عن يد تيمورلنك سنة ٧٩٨.
ومن أعظم حسنات بركه خان وأكبر أياديه على الإسلام أنه قام على ابن عمه هولاكو الكافر الطاغية ينتقم منه مما فعله بالمسلمين والاستيلاء على بغداد وقتله الخليفة. فإن بركه خان أشهر عليه حربا طاحنة قصد إشغاله بها عن حرب المسلمين في البلاد الشامية فأهلك من جنود هولاكو مئات الألوف، وكسره كسرة شنيعة كانت هي السبب الحقيقي في انكسار جيوش هلاكو أيضا في الوقعة الشهيرة التي كانت بينهم وبين السلطان الملك الظاهر ببيرس سلطان مصر على عين جالوت، ولولا هذه الكسرة لكان هولاكو استولى على سائر بلاد الشام ومصر وغيرها وأباد العالم الإسلامي عن آخره.
وكان بين بركه خان والسلطان الملك الظاهر مكاتبات عديدة ومودة صادقة أكيدة.
ومن جملة ما وصل منه إلى الملك الظاهر كتاب مسهب يذكر فيه من أسلم من قبائل التاتار وعشائرهم وعظمائهم وذراريهم وحشمهم وجيوشهم الجرّارة. ثم يقول: هؤلاء أسلموا بأسرهم وقاموا بالفرائض والسنن والزكاة والغزو والجهاد في سبيل الله، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقرأنا:«آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون» الآية. فليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصبا لدين الإسلام لأنه باغ والباغي كافر بالله ورسوله إلخ ...
وتاريخ هذا الكتاب سنة ٦٦١ ومات هولاكو مقهورا من بركه خان في ربيع الأول