إبراهيم بن شيركوه فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص، وكان أخذها منه الملك الناصر وعوضه عنه تل باشر كما تقدم. وقدم عليه أيضا محيي الدين التركي نائب دمشق، فالتفت إليه وخلع عليه وولاه قضاء الشام. وقدم عليه أيضا جماعة من أكابر حماة وسلموه مفاتيح بلدهم فأمّنهم. ثم رحل هولاكو عن حلب إلى حارم وطلب تسليمها من أهلها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب، فأحضره هولاكو وسلموها إليه، فغضب هولاكو وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء. ثم رحل عنها إلى الشرق وأمر عماد الدين القزويني بالرحيل إلى بغداد وجعل مكانه بحلب رجلا أعجميا، وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها. وألقى السيسيون المنضمون إلى التتر النار في الجامع الكبير ثم في كنائس النصارى وقتلوا في الجامع خلقا كثيرا دفنوا في جباب كانت بالجامع، للغلّة، في شماليّه.
أما الملك الناصر فإنه لما بلغه أخذ حلب- وهو بدمشق هاربا من مماليكه كما تقدم- رحل من دمشق بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية ومعه الملك المنصور صاحب حماة، فأقام بنابلس أياما ورحل عنها إلى غزة فاصطلح مع مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ومع أخيه الملك الظاهر، ثم رحل غزّة إلى العريش لما بلغه أن التتر استولوا على نابلس أيضا.
وسيّر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة على التتر. ثم سار الملك الناصر ومن معه إلى قطبة وبقي بها أياما خوفا من أن يدخل مصر فيقع القبض عليه، ففارقته العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر وبقي معه جماعة يسيرة منهم أخوه الملك الظاهر والملك الصالح صاحب حمص وغيرهما، فسار بهم إلى جهة تيه بني إسرائيل.
وكان التتر في هذه المدة قد استولوا على دمشق وجميع الشام عدا غزّة فبقي الملك الناصر في التيه متحيرا إلى أن عزم على التوجه إلى الحجاز، وكان معه طبردار «١» له اسمه حسين الكردي فحسّن له المسير إلى التتر وقصد هولاكو، فاغتر بقوله ونزل ببركة زبر وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر، فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون، وكانت عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت للتتر وهدمت. ثم إن كتبغا بعث بالملك الناصر إلى هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة ثم إلى حلب فلما عاينها الملك الناصر وما حل بها وبأهلها تضاعفت حسراته وأنشد: