على الأقدام طلبا للتجارة فيسبق بقية رفقائه ويشتري البضائع من حلب قبلهم فتقل عليهم أو تغلو أثمانها إلى حين وصولهم وبسبب ذلك صارت أجرة الدابة ذهابا وإيابا ستة قروش فكانت جملة النفقات التي تلحق المسافر في ذهابه وإيابه وبقائه بحلب ثلاثين قرشا. اه.
وذكر في معجم البلدان أن من عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار، مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن. اه.
وما زالت تجارة حلب جارية على هذا المنوال بعد اكتشاف رأس الرجاء حتى ظهرت سفن البخار التي قربت المسافات البحرية لسرعة سيرها وقلة خطرها. ثم لما مدت السكة الحديدية من الاسكندرية إلى السويس هبطت عدة درجات ولم يبق فيها من تجارتها سوى الربع تقريبا وذلك لأن طريق الهند قربت جدا وسهل نقل البضائع من المراكب إلى عجلات الحديد ثم تفرغ منها على فرضة «١» السويس التي هي على البحر الأحمر وتشحن بالمراكب المذكورة.
ولما فتحت قناة السويس المعروفة بالترعة واتصل بسببها البحر الأحمر بالبحر المتوسط هبطت تجارة حلب هبوطا فاحشا فلم يبق بها سوى عشر تجارتها السابقة. ثم مما زادها اضمحلالا وانحطاطا حتى بقيت دون العشر عما كانت عليه، هو سير البواخر الصغار من البصرة إلى بغداد وابتذال البواخر الكبار التي تنقل السلع من كل جهة إلى كل جهة.
ومع هذا كله فإن تجارة حلب لم تزل واسعة بالنسبة إلى كثير من الممالك العثمانية.
أما ما يدخل إلى حلب من غيرها من البضائع والسلع في هذه الأزمان فهو جميع بضائع أوروبا والهند والصين واليمن والحجاز والعراقين والروم والأناضول وأفريقية والسودان والحبش وغير ذلك من بقية الممالك. وأما ما يخرج منها إلى غيرها فكثير أيضا منه الحنطة وبقية الحبوب والحرير والصوف والقطن والكتان والقنّب والزيت والسمن والتين والزبيب والجوز واللوز والجلود والفستق والدبس والعسل، وغالب أنواع الحيوان كالغنم والبقر والخيول وأنواع الأقمشة والمنسوجات الحريرية المعروفة بالجتارة التي تضاهي جتارة الهند ونوع منها منقوش بالحرير والقصب على أنواع وأشكال بديعة يعرف الآن بالدوناتو نسبة إلى أسرة دوناتو التي اشتهرت بهذه الصنعة أكثر من سواها، وأنواع الغزلية المعروفة بالآلاجة