عاص «١» على الدولة- كما زعم نصوح باشا- بل كانت الدولة تراعيه نظرا لما عنده من الشهامة والشجاعة، وبقاؤه في كلّز واليا زمنا طويلا لا لعصيانه على الدولة إنما كانت الدولة ترى في عزله بعض الصعوبة، وتخشى من وقوع فتنة من عشيرة الجانبلاط إذا هي عزلته، فكانت تغضي عنه الطرف وتقنع منه بالمال وهو في غاية الطاعة. ولما بلغه تهديد نصوح باشا إياه أخذ في جمع العساكر فسمع بذلك نصوح باشا وخرج بعساكره جريدة إلى كلّز فقابله حسين باشا بعساكره الكثيرة وكسره كسرة شنيعة، وانهزم نصوح باشا في عسكر قليل إلى حلب.
وبعد أيام قلائل أخذ في الاستعداد ثانيا لمحاربة حسين باشا وبذل الأموال وحشد الأبطال. وبينما هو كذلك إذ ورد على حلب قبجي باشي من قبل السردار سنان باشا ابن جفال يخبر نصوح باشا بالأوامر السردارية أنه قد صار حسين باشا كافل الممالك الحلبية، وعزل نصوح باشا منها. فغضب لذلك نصوح باشا غضبا شديدا وامتنع عن تسليم حلب لحسين وقال: إذا ولّوا حلب عبدا أسود فإني أطيعه إلا ابن الجانبولاط. وكتب إلى الدولة أن أمراء العشائر لا تصلح أن تكون ولاة للدولة. فما مضى أسبوع إلا وقد أقبلت عساكر حسين باشا إلى قرية هيلانة فاستقبلهم نصوح باشا فانكسر وعاد إلى حلب.
ونزل حسين باشا مع عساكره في محلات حلب خارج السور، وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسدّها بالأحجار وفتح باب قنّسرين وحرسه بعساكر وقفهم هناك، وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع الميرة والطعام عن داخل حلب ونصب المتاريس على أسوار البلد، وحفّ نصوح باشا عساكره على الأسوار مع المدافع، وقام بين الفريقين حرب مهولة وأخذ حسين باشا في حفر اللّغوم والاحتيال على أخذ البلد، وأخذ نصوح في حفر السراديب لدفع اللغوم، وعمّ الحلبيين أنواع الكدر من المبيت على الأسوار وحفر السراديب ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم لطعام السكبانية وعلافتهم «٢» ، وإغلاق الدكاكين وتعطل الصناعات وحرق الأخشاب للطعام والقهوة بسبب قطع حسين الميرة حتى الحطب، ونزل البلاء من جانب السماء على حلب، فبيعت الحنطة: المكوك بمائة