يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما، والحلبيون يقاتلونه قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام.
وامتدت المحاصرة شهرين كاملين فاضطرب الحلبيون اضطرابا عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب، وقام الدعّار ينهبون الدكاكين ويتعرضون لبعض البيوت، وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم، فكتبت الدولة إليه تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه، فكتب الحلبيون إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة بالانصراف عن حلب وولّته سيواس وولت حلب مرتضى باشا المنفصل عن بغداد. وفي نصف ربيع الآخر من سنة ١٠٦٧ نقل مرتضى باشا إلى دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه، فولّي ديار بكر وولّي حلب مكانه جلالي أبازه حسن باشا، وهو من أولاد السباهية، وكان ظالما غاشما وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب.
وفي سنة ١٠٦٨ خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير، فتداركت الدولة ردعهم وولّت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة، وطرد الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى، مفتي عينتاب، فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه، فتمكن منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن الطيار وأخوه مصطفى باشا، وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه، وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. وكان قتلهم في سنة ١٠٦٩ وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي باشا، صحبه معه من الأناضول، وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره.