جلال باشا جبار زاده، وأن حلب من ذلك اليوم أخذت بالسكون والراحة غير أنه لم يمض على تلك الحادثة زمن يسير إلا وقد اعتصب في حلب زمرة من السادات وأخذوا يدأبون بإخلال الراحة وانضباط البلد، ثم سولت لهم أنفسهم أن يقوموا على الحكومة ويخلعوا طاعتها. واستعدوا للقيام وكاتبوا جماعة اليكجرية الذين كانوا مشتتين في البلاد هربا من جبار زاده، فحضروا خفية ولازموا البيوت سرا، وقوي بهم حزب السادات وزادوا استعدادا وصاروا يتوقعون أدنى باعث للثورة.
فاتفق أن حاشية الوالي خورشيد كانت من أعظم الأسباب التي عجّلت قيام الثائرين، المترقبين أدنى فرصة تسنح لهم. وذلك أن الوالي المشار إليه كان على جانب عظيم من الصلاح والدين، وبالعكس حاشيته وجماعة دائرته فكان إمامه لا ينفك عن السكر إلا قليلا، وأما كتخداه سليمان بك فإنه يتناول المسكرات ليلا ونهارا وكثيرا ما كان يرى كالمجنون عند المساء لكثرة ما يشرب، فلربما كان يغضب على بعض أتباعه فيضربه بالبلطة أو بالخنجر في أي محل وقع الضرب، وكان يدور في شوارع حلب على هذه الحالة إلى نصف الليل.
وغضب مرة على رئيس ساسة الدواب وهدده بالضرب والقتل فخاف بقية السّاسة من شرّه وعولوا على الفرار وكان في الإصطبل عدد وافر من الخيول والبغال فعمد إليها سليمان بك وقطع مقادوها وقيودها واستنفرها إلى خارج الإصطبل فحصل بسببها غلغلة عظيمة في أسواق حلب. فهذه حالة الكتخدا، وأما بقية رجال الدائرة فإنهم كانوا على أشد انهماك من الفسق والارتشاء، وكان خورشيد باشا ليس عنده خبرهم بل كان يحسن ظنه بجميعهم.
كانت هذه الأحوال تزيد من الحاشية يوما فيوما والحلبيون المتعصبون في دينهم يزدادون نفورا إلى أن ثاروا بغتة في إحدى الليالي من محرّم سنة ١٢٣٥ وكان الوالي في أطراف نهر الساجور يعاني مكاشفته لجرّه إلى نهر قويق، ومشوا نحو منزل الكتخدا المدكور فكبسوه وقتلوه، ثم انتقلوا منه إلى غيره من جماعة الدائرة المنهكمين في المعاصي وأعدموهم عن آخرهم، ثم التفتوا نحو عسكر الوالي وبغتوهم بالقتل. حتى إني رأيت في بعض المجاميع أن جملة من قتلوا من حاشية الوالي وأتباعه في تلك الليلة سبعة آلاف نسمة، وهو مبالغة فيما أظن. ثم إن هؤلاء الثائرين كبسوا بيت الإمام المتقدم ذكره فأخذوه مع جميع ما كان عنده من آلات اللهو واللعب وأدوات الفسق والفجور، وجاؤوا به إلى المحكمة الشرعية كأنه مشهّر، ونادوا القاضي قائلين وهم يشيرون إلى الإمام: يكفي أن تعلم بحالته استانبول