يقطع رأسه يجعله واليا في إحدى الإيالات كأنه منفي، وللمأمورين من هذا الوجاق ألقاب شتى: كشربجي باشي، وعشي باشي، وساقي آغاسي، وأوطه باشي، إلى غير ذلك مما يدل على أن أولئك الجنود كانوا عائشين من إنعامات السلطان وأنهم كأولاد له. وكانوا يحترمون القدور والمراجل التي توزع عليه بها تعييناتهم ويأخذونها معهم إلى الحروب فإذا خسروها عدّ ذلك عارا عليهم. ثم في أواخر أيامهم صاروا إذا أرادوا رفض أمر يضعونها أمام منازلهم مقلوبة علامة على العصيان، ولكل واحد منهم وشم خاص على يده اليسرى فوق الكوع مستدير، قطره نحو قيراط وربع بأحرف تدل على اسم صاحبه وسنّه، وتحته عدد فرقته. وإذا عجز أحدهم بسبب جراح أو كبر سنّ يعتزل وجاقه تحت اسم «متقاعد» ، ويعطى شهرية المتقاعدين ويؤذن له بالتروج.
وعلى هذه الترتيبات البسيطة امتدت فتوحات تلك الطائفة من أبواب برصة إلى أبواب فينّا، وحافظوا على ذلك النظام مدة خمسمائة سنة، حتى إنهم بعد أن صارت طريقتهم ثقيلة على البلاد والعباد وأوصلوا المملكة إلى أقصى درجات الانحطاط، كانوا لم يزالوا من الأمة كالروح من الجسد حتى كاد سقوطهم يتهدد وجودها، وهم- قبل اختلال نظامهم- أحسن جنود العالم ضبطا وانتظاما وأشدهم بأسا وإقداما.
وهاك نبذة في ذكر معركة من معاركهم، بها تعلم ما كانوا عليه من القوة والنجدة:
وهي أن السلطان با يزيد يلدرم خان سار في أيامه بعسكره الجرار المؤلف من اليكجرية وغيرهم إلى حدود هنكاريا قاصدا الاستظهار على أوربا بأسرها. وكان السلطان مراد خان الأول قد صادم عساكر الصّرب والبشناق بعساكره من اليكجرية فهزمهم وبدد شملهم، فألقي النفير العام في ممالك أوربا قاطبة أن النصرانية أمست في خطر التلاشي من مهاجمات المسلمين، وقامت دعاة النصرانية في كل صقع وإقليم يدعون بالغيرة الدينية، فأجاب الجميع صوت النفير وأخذت الأبطال تتهيأ للحرب، وأرسلت فرنسا وألمانيا أحسن رجالهما وخرجت فرسان مار يوحنا من حصونها في رودس، وثارت رجال هنكاريا بحمية لا مزيد عليها. ولم يمض إلا القليل حتى اجتمع عند الملك سيجسيمند مئة ألف مقاتل من الأبطال، وكان الجميع يمدون يد المساعدة في دفع العثمانيين عن بلادهم واستئصالهم عن آخرهم.
وكان السلطان با يزيد خان قد استعد لمقابلتهم وجمع نحو مائتي ألف مقاتل ونزل بهم