بين أقرانه بالحزم والعزم. ثم لما دخلت طائفة الفرنسيس مصر وألقت الدولة العثمانية النفير العام لإخراجها، كان من جملة من امتثل أمر الدولة ونهض من بلده متوجها إلى مصر، فدخلها وحارب الطائفة المذكورة في عدة وقائع واشتهر بالشجاعة وجودة الرأي ولما خرجت تلك الطائفة من مصر ولت عليها الدولة العثمانية محمد خسرو باشا، وكان محمد علي باشا قد استمال علماء مصر ووجهاءها فمالوا إليه وأظهروا له من المحبة ما أطمعه أن يكون واليا عليهم.
واتفق في ذلك الأثناء «١» أن محمد خسرو باشا جهز جيشا لقتال بقية المتمردين من المماليك حكام مصر، وكان محمد علي باشا من جملة ضباط ذلك الجيش. وبقضاء الله وقدره انكسر الجيش المذكور وتغلب المماليك، واتّهم القائد محمد علي باشا بممالأتهم ووشي به إلى الوالي، فقصد أن يوقع به غير أن محمد علي باشا فطن لما أراد وانضم إلى المماليك حذرا منه، وجرى بينه وبين الوالي وقعة كان هو الغالب فيها، ووقع الوالي بقبضته. واتصل الخبر بالسلطان سليم خان فعظم عليه الأمر وأرسل علي باشا ليتولى مكان خسرو باشا ويكبت العصاة. فلما وصل إلى مصر لم تدن له المماليك بل خلعوا طاعته وقتلوه، ثم وقع النزاع بين اثنين من رؤسائهما وكان لعسكر الأرناوط مال مكسور عند أحدهما فطالبوه به باتفاق مع محمد علي باشا وحصروه في داره عدة أيام، ثم سنحت له فرصة هرب بها إلى الصعيد وانحلّ عزم المماليك بعده، ولم يبق منهم إلا رئيس واحد. وكان محمد علي باشا قد استمال العلماء والرؤساء وأحبوه محبة مفرطة وأقاموه مقام الوالي على مصر، وأرسلوا محمد خسرو باشا إلى القسطنطينية وولوا مكانه رشيد باشا ولقبوه نائب السلطنة على مصر. ولم يمض إلا قليل من الزمان حتى مات الرئيس الذي بقي من المماليك وصفا الوقت لمحمد علي باشا وتولى مصر.
ولما سمع حضرة السلطان بهذا الأمر تكدر منه جدا وأمر في الحال مصطفى باشا قبطان أن يسير إلى مصر ويسلمها إلى من بقي من المماليك بشرط أن يدفعوا للدولة في كل سنة خمسة آلاف كيس، وأن يأمر محمد علي باشا بالتوجه إلى سلانيك. فلما وصل مصطفى باشا إلى مصر وعلم علماؤها ورؤساؤها بمراده اجتمعوا عنده وتلطفوا بتعريفه أنهم لا يرضون