أيام صار يقبل عليه أعيان البلاد الحلبية ويدخلون في طاعته. ثم شرع بتنظيم أمور حلب وبلادها، وعيّن لها متسلّما أحمد أفندي ابن عبد القادر أفندي حسبي زاده، ثم غضب عليه وضربه بالسياط فمات بعد يومين. وكان متسلما حلب- قبل دخول إبراهيم باشا- إبراهيم آغا سياف زاده، وعين في مكان حسبي زاده عبد الله بك البابنسي. وفي سنة ١٢٤٩ رأى الحلبيون صرامته في أحكامه وشدته في انتقامه وعقوبته وشاهدوا ما يعامل به العسكري من الإهانة والشتم واللعن، فعزموا على مناضلته. واجتمع من زعمائهم جمّ غفير، منهم عيسى آغا وبكور آغا كعدان وأحمد بن هاشم ومحمد آغا حطب- وهم من بقايا زعماء اليكجرية- وعقدوا بينهم اتفاقا وكتبوا به ميثاقا ختموه، سوى قليل منهم. فاتصل الخبر بإبراهيم باشا بواسطة محمد آغا حطب، فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح من البلد، فجمع منه ما لا يحصى، وارتفع سعره حتى بيعت نصلة بندقية بثلاثمائة قرش. وفي هذه السنة أمر أيضا بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على الناس لعدم اعتيادهم عليه وهرب منهم خلق كثير وتشتتوا في البراري، ومنهم من مات تحت المطر والجليد وأكلتهم الوحوش، وكانت تكبس البيوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع، حتى إن الأولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية.
وفي سنة ١٢٥٠ صار الشروع بتعمير الرباط الكبير المعروف بالشيخ يبرق، الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة الشميصاتية من الجزء الثاني، ورباط آخر في نواحي الكلاسة شرقي مشهد الشيخ محسّن، وغير ذلك من المباني. وكانت الفعلة والنجارون والمجصّصون يقادون للعمل في هذه المحلات بالسلاسل ويساقون بالضرب والشتم، ويدفع لهم قليل من الأجرة، ومنهم من لا يعطى شيئا. وكان أكثر أنقاض هذه الأبنية وحجارتها من المساجد القديمة والجوامع المهجورة والخانات المهملة. وفي ابتداء رمضان سنة ١٢٥٣ تجدد طلب العسكر واشتد التفتيش عليهم، حتى صارت النساء يحبسن في بيوت القهوة ويضربن الضرب المبرّح ليقررن عن رجالهن. فجمع مقدار وافر وبقي بعض أفراد لم يشددوا في طلبهم رعاية لرمضان. ثم في أول يوم من عيد الفطر صدرت الأوامر بإتمام جمع من بقي من العسكر، فذاقت الناس أمرّ من الصاب، وانقلب عيدهم مأتما. ثم في ثالث يوم من شوال ورد العفو عن بقية الأشخاص المرتبة على البلد. وفي اليوم الثامن عشر من شوال