جماعة الدرك إلى الهرب منهم والالتجاء إلى الرباط العسكري (القشلة) . ونمي الخبر إلى الوالي فحضر إلى محل الثوار بنفسه لإخماد ثورتهم، لكنه لما رأى جموعهم تجاه جامع التوبة، وما هم عليه من العربدة والهيجان وإطلاق الرصاص، هاله الخطب وانصرف عنهم ولسان حاله يقول: الهزيمة نصف الغنيمة. ولو أنه أظهر لهم الثبات وسطا عليهم بعض السطو لفلّت جموعهم وكفي شرّهم، لكنه لما قدم عليهم ظنوه هو ومن معه جماعة العسس «١» ، ولم يعلموا أنه هو الوالي إلا بعد انصرافه. فلما علموا بخوفه ورخاوته زاد شغبهم وقويت نفوسهم.
وفي نحو الساعة الثالثة من الليلة المذكورة مشوا بطبولهم وزمورهم إلى محلة الفرافرة ليوقعوا ببعض الأعيان لأنهم لم يدفعوا عنهم غائلة البدعتين المذكورتين، مع قدرتهم على دفعهما على زعمهم. وكان الأعيان قد بلغهم قيام هؤلاء الغوغاء فتركوا منازلهم والتجئوا إلى الرّباط العسكري. ولما وصل الثائرون إلى محلة الفرافرة لم يجدوا في منازل الأعيان سوى الحريم والخدم فرفعوا أصواتهم بالسب والشتم وأطلقوا بعض العيارات النارية، ثم توجهوا إلى محلة قارلق لمواجهة عبد الله بك ومطالبته بدفع البدعتين المذكورتين، لأنه هو متسلم البلد وهو المسؤول عن دفع الحيف والظلم عن أهلها. وبينما هم عند سبيل الدلي محمود في قرب بانقوسا إذ تقابلوا مع تقي الدين أفندي المدرس. حدثني خادمه محمد آغا الفراش- وقد وظف بعد فراشا في المدرسة العثمانية وكنت مجاورا فيها- أن الثائرين لما قبضوا على تقي الدين أفندي- قال: وكنت معه- أضجعوه إلى الأرض وأرادوا ذبحه، فقال بعضهم يحرم امتهان دم العالم وإراقته على الأرض كدم شاة. ثم تجرّد القائل من عباءته ومدّها تحت تقي الدين وقال: اذبحوه فوقها. وبينما هو يستعيث بهم ويطلب منهم الكفّ عنه إذ مرّ بهم الشيخ أحمد شنون- المعروف بالحجار- فتشفع به فعفوا عنه. قال خادمه محمد آغا: وقد أثر الرعب في تقي الدين حتى قطع نسله.
ثم إن الثوار أخذوا معهم تقي الدين إلى عبد الله بك ليرى رأيه فيه. فلما وصلوا إليه أنكر عليهم عملهم وبعث به إلى الرباط العسكري ومعه من يحفظه وقال عبد الله بك للثائرين: ماذا تريدون؟ فقالوا: لا نعطي عسكرا ولا ضريبة، وأنت في قدرتك إبطال