وفي ربيع هذه السنة كانت الأمطار كثيرة غزيرة في جميع الجهات، فكبست السيول بعض المنازل في الرّها وأنطاكية وغيرهما من البلدان، وطغت المياه على سهول العمق فأغرقت كثيرا من قراه، وكان ذلك ناشئا عن ضيق مصائد السمك المبنية في نهر العاصي، المعروفة في أنطاكية باسم (داليان) . وفيه قذف بحر السويدية قرب «الجوليك» حوتا عظيما طوله- عدا رأسه- ثلاثون ذراعا معماريا، فأخذ الأرمن هناك رأسه واستخرجوا منه مقدارا عظيما من الدهن. وفيها وزعت الحكومة على بعض الزراع حب ذرة صفراء وبيضاء أحضرت من أميركا قصد تجربة محصولها فلم تنجح.
وفي صيف هذه السنة في آب منه اشتد الحر في حلب حتى صعد الزئبق في مقياس السنتغراد في الظل الشمالي إلى الدرجة الأربعين. وفيها تواردت الأخبار من الرقّة بأنه فشا في غنم بعض قراها مرض سببه دودة في كبدها تحصل من رعيها حشيشة اسمها البور.
وفيها عاد لدين الإسلام عشيرة فلجلو في قضاء بازارجق، بعد أن صارت إباحية من الطائفة المعروفة باسم قزل باش (الرأس الأحمر) . وفي يوم الثلاثاء ١٥ جمادى الثانية وصل إلى حلب واليا عليها الحاج عثمان باشا، وهي ولايته الثانية، وكان كسيحا يحمل بين يدي الرجال ويوضع في عربته ويحمل منها إلى محل جلوسه. وهو من أعظم وزراء الدولة عند السلطان عبد الحميد، محبوبا لديه، لأنه هو الذي سعى بقتل بطل تركيا الفتاة مدحت باشا حينما كان محبوسا في الطائف، وعثمان باشا واليا في الحجاز. وكان هذا الوالي في منتهى درجات السخاء إلا أنه أيضا كان في منتهى درجات قبول الرشوة. وفيها نقل مركز قضاء جبل سمعان إلى قرية خان تومان.