ومدرسين ومترجمين وبلغاء وخطباء ونحوهم. وكان لشدة ولعه بالمعارف وحرصه على العلوم والفنون لا يعقد صلحا مع سلطان رومي أو فارسي أو هندي إلا ويجعل من جملة شروطه تقديم أنفس ما عند ذلك السلطان من الكتب العلمية والأسفار الصناعية. ثم جاء الخلفاء من بعده وحذوا حذوه في هذا السبيل، فما مضى غير قليل حتى ابتزّوا خزائن كتب الرومان واليونان وفارس واستحوذوا على كنوزها وظهر في الإسلام علم المنطق وفروعه كالفلسفة والمناظرة وشاعت العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والمساحة والهيئة وأقسام العلوم الفلكية كالميقات والتنجيم والعلوم الطبيعية والطب والبيطرة والبزدرة «١» والنبات والحيوان والفلاحة والمعادن والجواهر (وكانت صنعتهما في القرون المتوسطة مختصتين بالشرقيين ومن ذلك امتازت الأسلحة الدمشقية عما سواها خصوصا السيوف منها وصار يضرب بها المثل) .
وعلم الكون والفساد وعلم التشريح والكحالة والصيدلة والهندسة البنائية التي لم تزل المساجد الإسلامية دالة على تقدمها في تلك الأعصار وعلم المرايا المحرقة وعلم صناعة الزجاج وتنويعه فإن المسلمين هم الذين علموا شرف هذا الفن وعنهم أخذته أوروبا وعلم مراكز الأثقال وعلم جر الأثقال وعلم إنباط المياه وفنون الحرب وعمل آلاته وعلم الجغرافيا ومسالك البلدان وعلم الجبر والمقابلة وهو علم عظيم من مخترعات العرب ولا بد من استحضاره في أكثر العلوم الرياضية وعلم الموسيقى، وعلم عمل آلاتها وعلم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم السياسة وعلم قود الجنود وفن التصوير والنقوش، على ما وصفه المقريزي في كتابه «الخطط المصرية» على أن بعض الأحجار والأواني النحاسية الموجودة حتى الآن التي هي من صنع المسلمين يدلّنا ما عليها من النقوش والصور التي لم تزل موضوع أبحاث أهل الصناعة من الأوروبيّين.
على أن المسلمين بلغوا في صناعة النقش والتصوير غاية قصوى حتى إن كثيرا من النقوش التي زيّنوا بها النقود الذهبية والفضية حملت أمراء النصارى في سيسليا (صقلية) والأندلس على أن يقلدوها ويجعلوا نقودهم على شاكلتها بل قال جامعو المسكوكات العربية إن عدة نقود ذهبية أدخلها ماري لويس في المسكوكات الفرنسية نقلا عن النقود الإسلامية. وحكى