إن إنكلترا قد تمكنت من القطر المصري، وهي تجتهد بالحصول على العراق وفلسطين وتوطيد نفوذها في جميع أنحاء شبه جزيرة العرب. وإن روسيا لا تحتاج عداوتها لتركيا إلى دليل، وهي لا ترى لتحقيق مطامعها أفضل من عزلة تركيا. وأما دول التحالف الثلاثي فإن النمسا وإيطاليا لم يبق لهما مطامع أخرى نحو تركيا، فقد قدمتا لها كل ما استطاعتاه من الأذى فلم يبق لهما حاجة إلى مطمع جديد. وأما ألمانيا فإنها ترغب أن ترى تركيا عزيزة الجانب إذ لا يمكن ضمان مصالحها إلا بتقويتها.
لا تستطيع ألمانيا الاستيلاء على تركيا وتجعلها كمستعمرة؛ لأن المركز الجغرافي والموارد الألمانية يجعلان ذلك مستحيلا. فألمانيا إذن تعتبر تركيا بمثابة حلقة في سلسلتها التجارية، ولهذا أصبحت من أشد أنصارها ضد حكومات الاتفاق التي حاولت تمزيقها خصوصا لأن تصفية تركيا كان معناه تطويق ألمانيا بصفة نهائية، وذلك أن تركيا في الجنوب الشرقي من ألمانيا كغلق «١» لذلك الطوق، فالطريق الوحيد الذي تدرأ به ألمانيا ضغط الطوق الحديدي هو منع تمزيق تركيا.
ولما قنطت تركيا من التحالف مع دول الاتفاق على الوجه الذي أسلفنا بيانه، ورأت أن مطامع روسيا لا تتحقق إلا بعزلتها، أخذت تفكر في محالفة تنقذها من هذا الخطر.
وقد استغرق تفكّرها هذا نحو ستة أشهر. وبينما كان الوقت قد آذن بنشوب الحرب، وتركيا في قلق من عزلتها، إذ بألمانيا تعرض عليها عقد محالفة تتفق مع مصالحها وتضمن حقوق الطرفين. فلم تتأخر تركيا عن قبول المحالفة مع تلك الإيمبراطورية القوية البأس، فإن لهذه المحالفة محاسن كثيرة منها منع دول البلقان عن التدخل في شؤون حكومة تركيا.
ومنع دول الاتفاق عن الاستيلاء على بلادها. ومنها أن علماء ألمانيا وفنونها وخبراءها التجار يصبحون تحت تصرف تركيا. إلى غير ذلك من المحاسن والمزايا التي تستغلها تركيا من هذا التحالف. ثم إن دولتي النمسا وبلغاريا دخلتا مع ألمانيا في عقد هذا التحالف دون تردد ولا توقف لأن ما يهم ألمانيا يهمهما أيضا.