أو صعوده. كما أنه كثيرا ما كان يهبط إذا توالت الأخبار بانكسار جيوش تركيا وقد تنعكس الحالة فيصعد مع توالي تلك الأخبار ولا يهبط.
وقد صار كصنف كبير من الأصناف التي يشتغل بها التجار، ولهذا كنت ترى جماهير الصيارفة والتجار واقفين في باب خان الكمرك يتعاطون بيع هذا الورق وشراءه من بعضهم، وكل اثنين أو ثلاثة منهم متكاتفون يتكلمون مع بعضهم همسا وفي أيديهم ألوف من هذا الورق يشتري زيد من عمرو ألف ورقة مائة قرش، سعر كل واحدة منها ثلاثون قرشا وربع القرش مثلا، ويدفع له الثمن نقدا في الحال نقودا ذهبيّة أو فضية، وبعد ساعة يصعد سعر الورقة إلى ثلاثين قرشا ونصف القرش فيبيع زيد ألف الورقة- التي اشتراها قبل ساعة- إلى خالد على السعر الأخير فيربح منها مائتين وخمسين قرشا. ثم لا تمضي ساعة حتى يهبط السعر أو يعلو فيبيع خالد ألف الورقة التي اشتراها قبل ساعة، فيربح أو يخسر على حسب السعر الموجود. فمن الناس من ربح من هذا الورق أرباحا طائلة ومنهم من خسر فيه جميع ثروته كأنه كان يلعب بالميسر.
من الأسباب الظاهرة التي حملت الناس على الخوف من عاقبة هذا الورق- فازداد سعره هبوطا حتى نزل إلى خمس قيمته المحررة فيه- خطبة ألقاها طلعت باشا ناظر مالية تركيا في مجلس النواب، تكلم فيها على حالة هذا الورق وتلاعب التجار في أسعاره وأورد من جملتها عبارات يفهم منها بأن هذا الورق لم يكن مكفولا من قبل ألمانيا ولا من غيرها- كما كان يعتقده الناس الذين لا ثقة لهم بمالية الدولة- وإنما كانوا مقبلين على تداوله اعتمادا على ثروة كافلته دولة ألمانيا، فلما سمعوا تلك العبارات من خطبة طلعت باشا أحجموا عن قبوله خوفا من سوء عاقبته، فهبط سعره إلى خمس قيمته كما قلنا. مع هذا كان كثير من الناس يعتقد أن هذا الورق مكفول من دولة ألمانيا رغما عما قاله طلعت في خطبته وأن ما قاله في هذه الخطبة لم يقصد منه إلا تنزيل أسعار هذا الورق إلى الدرجة الغائيّة لتشتريه الحكومة من الرعية بالثمن البخس بواسطة سماسرة خفيين وتعدمه، فتكون بعملها هذا قد وفت سلفا قسما كبيرا من الديون عن دولة تركيا من هذا الورق بقسم منه، والله أعلم بحقيقة الحال.
إن كثيرين من التجار كانوا يشترون الورق من البلاد التي يهبط فيها سعره ويصرفونه في البلاد التي يعلو فيها فيبدلونه بالذهب الذي يهرّبونه إلى بلادهم بإرشاء المراقبين في محطات