مواضيع مختلفة- سوى عبارات التقريظ والإطراء وإسداء الشكر والثناء. واستنهاض همتي لطبع هذا الكتاب وتدوينه بكل سرعة، حرصا على ثمالة «١» ما بقي من حياتي قبل نضوبها، كيلا يؤول أمر مسودة هذا الكتاب إلى الإهمال والضياع.
على أن لي الأمل الوطيد، أن يتلقى عشاق التاريخ، كتابي هذا برحب صدر، ويقبل عليه نصراء العلم وأعوان أهله إقبالا يذكر فيشكر، ولا سيما منهم أبناء الوطن العزيز.
فهم أولى من جميع الناس بالإقبال عليه. لأنه يخدم وطنهم المحبوب الذي حبّه بلا ريب من أقدس واجباتهم. كما نوه بذلك الخبر المأثور «حب الوطن من الإيمان» ، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لولا محبة الأوطان لخربت) . وحكمة ذلك أن محبة الشيء تبعث على حفظه. وصيانته وجرّ النفع إليه ودفع الضرر عنه، وهي مقاصد لا تكون إلا بعد معرفته والاطلاع على محاسنه، إذ محبة المجهول غير معقولة، بل قد يكون الجهل بالشيء مدعاة إلى بغضه وكراهيته، على حد قول القائل:(المرء عدوّ لما جهل) .
وإني لأعجب من طلاب العلوم العمرانية العصرية. من أهل بلادنا إذا سألت أحدهم عن شأن من شؤون الممالك الغربية أجابك عن سؤالك بما يبلّ الغليل ويشفي العليل. وإذا سألته عن أقل شأن من شؤون وطنه أجابك عن سؤالك بالسكوت أو بقوله: لا علم لي بما تسألني عنه. ومعلوم أن الواجب على ساكن الدار أن يعلم أولا حقيقة داره وما اشتملت عليه من المحاسن والمساوي، ليعدّ لكل معنى عدّته. ويأخذ لكل شأن من شؤونها أهبته. ثم يتوسع بالعلم فيعلم حقيقة دار جاره، وما حوته من المحاسن والمساوي، استعدادا لطارىء يحوجه إلى أن يكون بها عالما وبشؤونها عارفا.
كنت شرعت بتأليف هذا الكتاب على صفة مفصلة مطولة، فجاءت مقدمته فقط في مجلد ضخم يستوعب نحو ألف صحيفة. فرأيت أنني إذا سرت بتأليفه على ذلك المنهج جاءت جملة الكتاب في نحو خمسة مجلدات ضخمة، مما يفضي إلى ملل القارئ. فعمدت إلى الاختصار ونحوت في تأليفه هذا المنحى وسميته «نهر الذهب في تاريخ حلب» ورتبته على مقدمة وأربعة أبواب:
فالمقدمة في الكلام على عدة أمور لا يتمكن القارئ دونها من الوقوف على ما انطوى