الخطأ بالاجتهاد لا يسألون عنه أمام الله وأمام الناس ما دامت نياتهم بإتيانه حسنة.
نقول: إن الخطأ بالاجتهاد المعفوّ عنه إنما هو خطأ الأئمة المجتهدين في مفهوم المتشابه من القرآن والحديث، فإن المجتهد منهم في ذلك إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.
أما المجتهد المخطئ من غيرهم فإنه مؤاخذ على خطائه بل تكون عقوبته على قدر المضرّة التي تنشأ عن خطائه ردعا له عن التهور فيما لا يدري عاقبته. فالاتحاديون الذين أخطئوا باجتهادهم في مسائل هذه الحرب لا يسامحون بخطائهم؛ لأن الضرر الذي نشأ عن خطائهم كان عظيما.
على أن النتائج السيئة التي نتجت عن اجتهادهم بديهية لا تحتاج إلى إمعان فكرة وإجهاد قريحة، فما هو إلا من قبيل التهور والهجوم على خطر محسوس. وحسبهم موجبا للمؤاخذة استبدادهم في أعمالهم وتركهم الشورى المطلوبة شرعا وعقلا. هذا إذا قلنا إن جميع ما أتوا به من الأغلاط المنفّرة مما يحتمل الاجتهاد. والحال أن كثيرا من المنفّرات التي أتى بها بعض زعانفهم لم يحملهم عليها سوى الطمع والشره في أموال الدولة والرعية، كما أن كثيرا مما أتى به بعض المنتسبين إليهم من المنفّرات لم يبعثهم على إتيانه باعث سوى الميل إلى الهوى ومطاوعة النفس البهيمية، ومنها ما دعاهم إلى إتيانه مجرد الاستخفاف بالدين واعتقادهم المغلوط بأن الدين مناف للمدنية.
ومن غرائب تهور سفهاء الاتحاديين وقلة تبصرهم أنهم اختاروا في جميع أعمالهم المتعلقة بهذه الحرب طريقة الإفراط المحض، فطرحوا المعاملة بالرفق والمواساة، واستعملوا في كل حركة من حركاتهم الشدة والعنف. وكانوا إذا نهاهم عن ذلك ناه وأرشدهم إلى استعمال الرفق في موضعه والعنف في محله قالوا له: إن هذه الحرب هي حرب حياة أو ممات لا واسطة بينهما. وقد غاب عنهم أن ولاة الأمور في الدولة الضعيفة هم بمنزلة الطبيب للمريض، أيسوغ للطبيب الأمين الحاذق أن يضجر من مريضه ويجازف في حياته ويصف له دواء شديد التأثير يكون فيه للمريض حدّ الفصلين إما أن يميته وإما أن يحييه؟ كلّا، ثم كلّا. بل الحكمة البالغة ومواجب الصنعة يقضيان على ذلك الطبيب أن يستكين إلى الأناة والتؤدة في تطبيب مريضه، وألا يحمله الضجر على اليأس من شفائه ما دامت فيه نسمة حياة، وأن يلطف له الدواء مهما أمكن ويستسلم في تأثير دوائه إلى عوامل القدرة