إذا لم يظهر منها لجيرانها «زررتي» - يعني بهذه الكلمة فتنة أو استعمال سلاح أو تلويث باب دار جار- أما ما دامت تجري شؤونها، ولا يظهر بسببها للجيران شيء من الإضرار المذكورة فليس لنا عليها من سبيل) .
على أن الذي كان يدافع عن أمثال هذه البيوت ويقف في وجه المشتكين منها هم رجال الشرطة أو الضباط العسكريون؛ لأنهم هم الذين كانوا يترددون عليها للعهر، أو كانوا يأخذون من كل بيت منها راتبا أسبوعيا ليدافعوا عنها تجاه أهل المحلة ويحموها ممن يسيء معاملتها من الزبائن. فكان أهل العرض والشرف المجاورون هذه البيوت المدنسة يتكبدون كل ضرر من جوارهم، ويسلبون الراحة والقرار في الحرص على حريمهم وبناتهم كيلا يلحقهن شيء من فساد الأخلاق بسبب الجوار، الأمر الذي أصيب به كثير من الناس وأصبحوا منكسي الرأس.
وبينما كان الناس يتضجرون من كثرة المومسات ووفور بيوت الريبة؛ إذ أصبحوا- وهم في أواخر أيام هذه الحرب- فرأوا في محلة «بحسيتا» بيوتا علّق على أبوابها ألواح كتب فيها (ملاقاتخانه) نومرو (كذا) ، أي محلّ لقاء. فسألنا عن المراد من هذه البيوت، فقيل لنا: المراد منها تسهيل الوصول إلى المحبوب لذوي الهيئات الذين يتحاشون الدخول إلى «المنزول» . فعجبنا من اعتناء الحكومة بهذه الأمور الرذيلة، في الوقت الذي تقضي فيه عليها السياسة- فضلا عن الدين- أن يكون تباعدها عنها فوق كل تباعد رعاية لعواطف الرعايا المسلمين. والغريب أن المراجع التي كان يلجأ إليها المشتكي من هذه الأحوال السيئة أصبحت مراكز للمومسات ومصائد لاقتناص الحرائر وإيقاعهن في شبكات الفجور. فقلما كان الإنسان إذا راجع المخفر للتشكي من هذه الأحوال أن لا يرى فيه عاهرة أعدّت لرئيس المخفر أو لأحد مقرّبيه، أو يرى فيه حرّة لها حاجة عند هذا الرئيس قد أمسكها وماطلها لينال منها أربه أجرة له على قضاء حاجتها، فإما أن تضحي شرفها وإما أن تخسر حاجتها.
وكانت نساء العساكر اللواتي يأخذن الرواتب الشهرية من الحكومة- في أثناء غياب أوليائهن- عرضة لبذل شرفهن إلى الشرطة المنوط بهم التصديق على حاجتهن للمعاش، وإلى جباة الأموال المعروفين بالتّحصلداريّة وجماعة كتاب الديوان. فكم من محصنة من هؤلاء النسوة اضطرت أن تبذل صيانها لأمثال هؤلاء لتأخذ مرتّبها الشهري