سحبتها من صفوفها التي كانت واقفة أمام الروس في الجبهة الشرقية. كما أن أخصامها- كل من إنكلترة وفرانسة وإمريكا والبلجيك والبرتكيز وغيرهم من الدول- قد أجمعوا أمرهم ونظموا شؤونهم وصمموا على أن يجعلوا هذا الهجوم هو آخر مسرح من مسارح هذه الحرب التي هي حرب حياة أو ممات. فاشتد الخطب على الفريقين وكانت جيوش ألمانيا تدافع مرة وتهاجم أخرى، وكان تقدمهم في أول الأمر أكثر من تأخرهم ثم في أخريات الحرب انعكس معهم الحال وصار تأخرهم أكثر من تقدمهم.
وبينما هم على هذه الحالة إذ فاجأتهم الأخبار بانكسار بلغاريا أمام الجيوش التي أشرنا إليها قريبا في فصل هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود، وأن بلغاريا قد انسحبت عن جميع أراضي صربيا والجبل الأسود واستولى أعداؤها على كثير من بلادها، وأنها قد استسلمت إليهم وأذعنت لجميع مطاليبهم، وأنهم قد اشترطوا عليها أن تكون جيوشها تحت إمرتهم، وأن حكومة النمسا قامت عليها شعوبها ينادون بالصلح ووقف الحرب لأن الجوع كاد يهلكهم، وأن الطريق بين استانبول وبرلين قد انقطعت ولم يبق في الإمكان وصول مدد إلى تركيا من حليفتيها ألمانيا والنمسا، وأن أمنهما من البلغار انقلب إلى الخوف، لأن دول الاتفاق يجعلون بلغاريا على قصد استانبول من جهة الروملّلي، وأن تركيا قد يئست من النجاح في جهة الحجاز وفلسطين والشام والعراق، لضياع هذه البلاد من يدها وتوالي الانكسار على جنودها، وتعويلهم على الانهزام أو الالتجاء إلى الجيوش الإنكليزية العربية. وكان سلطان الجوع قد استولى على شعوب ألمانيا فأباد من أطفالهم وفقرائهم الملايين واضطرهم إلى القيام على ملكهم ومناداتهم بإبطال الحرب وإعادة السلم.
توالت على ألمانيا هذه النوائب من جهة وتألب عليها أعداؤها من جهة أخرى فلم يبق لها سوى الإذعان والرضاء بما اقترحه ويلسن رئيس جمهورية إمريكا على المتحاربين وهو تقرير الهدنة بينهم على شرط انسحاب جيوش ألمانيا عما احتلته من أراضي فرانسة وبلجيكا، وتسليمها قسما كبيرا من أسطولها البحري والهوائي إلى أعدائها، وغير ذلك من الشروط التي لم يقصد منها سوى توطيد الأمن من غائلة الألمان وقوة بطشهم، على أن يكون تقرير الصلح فيما بين المتحاربين- بعد انقضاء مدة الهدنة- مبنيا على عدة شروط: منها حرية البحار، وحرية جميع ما فيها من المضايق التي منها مضايق جناق قلعة، وأن تكون