فأخذته إلى قلعة حلب ثم إلى الجامع الكبير. ولما أراد الدخول إلى قبليّة الجامع أبى أن يدخل إليها بجرموقه «١» مع أنه نظيف ممسوح، فقدّم له حذاء كبير ضم فيه قدميه ودخل القبليّة. ولما رأى المقام الشريف سألني بواسطة الترجمان بقوله: مقام من هذا؟
فقلت له: هذا مقام يحيى بن زكريا. فقال: من هو يحيى؟ فقلت له: هو يوحنا المعمدان ابن خالة السيد المسيح. فطأطأ رأسه وأبدى ابتسامة استحسان. ثم أخذته إلى المدرسة الحلوية، فدخل القبليّة وسألني عن تاريخ بنائها وعن بانيها، فأجبته عن ذلك. ثم أريته المحراب الخشبي الذي في إيوانها فأعجبه حسنه جدا، إلا أنه اعترض على متولّي المدرسة لأنه لمعه بدهان السّندروس «٢» ، وأمره بأن يمسح الدهان عنه ويبقيه على حالته القديمة الأثرية.
ثم أخذته إلى دار الجانبلاط، فسرّ بمشاهدة إيوانها سرورا زائدا، وأريته قطعة حجر من سلسبيل، مدفون بعضها في الأرض، فيها من بدائع الصنعة ما يشهد للماضين بإتقان النقوش ومهارة الهندسة المعمارية، فانحنى لاستخراج تلك الحجرة من الأرض فساعده بعض الحاضرين فاستخرجت وأخبرته أن بعض الأثريين الغربيين طلب شراء هذه الحجرة من أهل الدار ودفع لهم ثمنها مئة ذهب عثماني فلم يبيعوها. فقال الجنرال اللنبي لمن كان حاضرا من أهل الدار: إياكم وأن تبيعوها لأحد، وإذا بلغني أنكم بعتموها لأحد فإني أغرمكم مبلغا كبيرا.
ثم خرجنا من الدار وركبنا سيارتنا، فقال الترجمان: يقول حضرة الجنرال: يريد أن تسير بنا من طريق السوق لأنه يحب أن يرى أسواق الشرق المسقوفة. فسرت بهم من السّويقة وسوق الصابون وسوق الفرّايين «٣» إلى أن خرجنا إلى فضاء تحت القلعة، وهناك أردت النزول من السيارة والتوجه إلى منزلي لأن مهمتي قد انتهت، فقال لي أمين بك:
لا يجوز لك مفارقته إلا بعد الوصول معه إلى منزله. فبقيت سائرا معه حتى وصلنا إلى