لم ينقل عن أحد من الأمة العربية أنه غمس يده في دم أرمني في تلك المذابح الفظيعة، وقوفا عند حدود الشريعة المحمدية التي تتكفل للذميّ بصون ماله وعرضه ودمه. ولعل الأمة العربية لو كانت مشتركة مع الشعب التركي في تلك المذابح لما عدمت من السلطان عبد الحميد حسن المكافأة.
ثم في سنة ١٣٣٣ كان جلاء الأرمن عن أوطانهم، كما أشرنا إلى ذلك في حوادث السنة المذكورة من هذا الجزء. وبعد أن وصلت تلك الجاليات إلى حلب على آخر رمق من حياتها؛ كان العرب عامة- والحلبيون خاصة- يعطفون على ضعفائهم ويمدّون إليهم يد الإحسان والمواساة، عكس ما كان يضمره لهم جمال باشا من الأذى والويلات، ورغما عما كان يقاسيه الحلبيون في تلك الأيام العصيبة من جهد البلاء والضغط العسكري.
وكان عقلاء الأرمن وأدباؤهم يعترفون للعرب بتلك الأيادي ويشكرونهم عليها، حتى إن شبيبة الأرمن مثّلت الرواية التي سبق ذكرها في حوادث هذه السنة.
وبينما كانت الأمة العربية تؤمل من الأمة الأرمنية حسن المكافأة على ما أسدتها «١» إليها من البر والإحسان؛ إذ انعكست الآية بعد وقوع الهدنة وصارت الأخبار المكدّرة تطرق كل يوم مسامع الحلبيين عما يجريه جهال الأرمن مع أبناء العرب من الأمور التي تبعث على إيجاد الضغينة وإسعار نار الحقد في صدورهم على أمة الأرمن. وإليك بيان بعض تلك الأمور وهي:(١) تعرّض زمرة من الأرمن- المستخدمين في محطة أذنة من قبل الفرنسيين- إلى التجار العرب المسافرين على القطار إلى استانبول والقافلين منها إلى أوطانهم، فكانت تلك الزمرة تعامل التاجر العربي بكل غلظة وخشونة، وربما أزعجته بالسبّ والضرب، وإذا كان قدوم القطار في الليل فربما كانت تفتش ثيابه وتسلب نقوده.
أما الجنود العربية التي كانت تمرّ من أذنة قافلة إلى أوطانها فقد كانوا يقاسون من هؤلاء المستخدمين كل إهانة ويرون منهم كل قساوة، يعاملونهم بالشتم والضرب، وكثير منهم من كان يناله من أيديهم جراحة في وجهه وتهشم في أعضائه. فيأتون إلى حلب على أسوأ حالة.