هم في غناء عنهما. وربما كانوا يسوقونه إلى السجن بمساعدة الشرطة الموكول إليهم التفتيش على أولاد الأرمن من قبل جمعية الصليب الأحمر، وكانوا لا يصغون إلى الممتنعة عن متابعتهم من النساء المتزوجات، بل ربما قابلوها على امتناعها بالسب والضرب وأخذوها إلى منتدياتهم وأكرهوها على مفارقة زوجها وأولادها منه.
ومن غريب ما وقع في هذا الباب قضية امرأة أرمنية متزوجة بشاب مسلم، حضر إليها أخوها وزوجها الأرمنيان وأرادا أخذها إليهما، فلم يمتنع زوجها المسلم عن تسليمها إليهما وجعل الخيار لها في ذلك. أما هي فقد امتنعت عن تسليم نفسها أشد امتناع، فأخذاها بالقوة والعنف وسعيا بزجّ زوجها في السجن، وأخذا المرأة إلى قلّاية «١» الكنيسة، ووضعاها في غرفة عالية لها نافذة على الطريق، وقد وضعا معها لحراستها راهبتين أرمنيتين كلّفتاها العود إلى زوجها الأرمني ومنّيتاها بكل مرغوب، وذكرتا لها كل ما يوجب نفرتها من زوجها المسلم. فلم تلتفت إلى كلامهما. وقدّمتا لها طعاما فلم تذقه، وكان معها طفلة صغيرة ولدتها من زوجها المسلم قبل بضعة أيام ولما جنّ عليها الليل ورأت الراهبتين الموكلتين بحراستها قد غفتا عمدت إلى الطفلة وشدّتها على صدرها بنطاقها وعضّت على ياقتها بأسنانها، وجاءت إلى النافذة وألقت نفسها منها إلى الأرض، فوقعت عليها سالمة لم يلحقها ضرر في جسمها سوى ورم ظهر في ساقيها بعد بضعة أيام.
وكان زوجها المسلم قد أطلق من السجن وعاد إلى بيته. وبينما كان راقدا على فراشه نحو منتصف الليل إذ بالباب يطرق فأسرع لفتحه ورأى زوجته قد عادت إلى بيته. وفي الغد جاءت الشرطة إليه وأودعته السجن وأخذت زوجته إلى المخفر الذي حضر إليه ضباط الإنكليز وبعض كهنة الأرمن وسألوا المرأة عن كيفية هربها وقالوا لها: أما كان هربك بواسطة زوجك المسلم، حيث أحضر لك سلّما نزلت عليه إلى الأرض؟ فأخبرتهم بكيفية هربها على ما هي عليه، وقالت لهم: كيف يمكن لزوجي أن يحضر سلّما لي؟ والقلاية في حارة المسيحيين لا يمكن أن يطرقها في الليل أحد من المسلمين، وكيف يترك الحراس رجلا يحمل سلّما في الليل ولا يشتبهون به ولا يقبضون عليه؟ خصوصا وزوجي ساكن في محلة بعيدة لا يصل إلى محلة القلاية إلا بعد أن يمر على عدة محلات في كل منها حارس.