التابوت وأنزلوه في حفرته وابتدروا تلاوة سورة ياسين ثم تبارك ثم النبأ ثم سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وأوائل البقرة وأواخرها والتربّي في هذه البرهة يلحده ويحلّ ربط أكفانه فإذا انتهى خرج من القبر وطبقه وأهال عليه شيئا من التراب ثم صاح المؤذن في الناس:
غفر الله لعبد جلس. فيجلس الجميع القرفصاء ويصمتون، ويتقدم أحد الشيوخ ويلقن الميت سؤال الملكين وكلمة التوحيد ثم يقوم هو ومن حضر فيصطفون حلقة يقوم في وسطها ناشد ويذكرون الله تعالى برهة. وفي ختامها يتقدم واحد من قبل وصي الميت ويفرّق على الفقراء والمحتاجين شيئا من الدراهم وينصرفون ويصطف أهل الميت في جهة من المقبرة ويمر عليهم الناس ويعزّونهم وفي مساء هذا اليوم يرسل أحد أصدقاء الميت طعاما يتعشى منه أهل الميت ومن يكون في بيته، ويقال لهذا الطعام حمول.
وفي هذه الليلة أيضا يدعى جماعة من حفظة القرآن الكريم إما إلى البيت الذي مات فيه الميت وإما إلى قبره إذا ساعد الأوان، وقد تضرب عليه خيمة، وإما للمحلين معا فيشتغلون بتلاوة القرآن إلى مضيّ طائفة من الليل. ومنهم من يشتغل بالتلاوة إلى الصباح.
ويستمرون على ذلك ثلاث ليال إلى سبع. وفي آخر كل ليلة يوضع لهم مائدة تشتمل على حلاوات وبعض أطعمة فيأكلون ومن حضر معهم لسماع التلاوة، ويشربون قهوة البنّ ويدخنون وينصرفون.
وفي كل ليلة من هذه الليالي أيضا يجتمع نفر من الرجال والأولاد بين العشاءين في مسجد المحلة ويكررون كلمة التوحيد وفي أيديهم سبحة كبيرة تبلغ نحو خمسمائة حبة فإذا دارت دورا سكتوا وتلا إمام الجامع أو غيره شيئا من القرآن الكريم. وبعد فراغه يعودون إلى التسبيح فيديرونها دورا آخر ويختمون الذكر وتفرق عليهم الحلوى المعروفة بالغريبة.
وفي صبيحة اليوم الثالث من الوفاة يجتمع جمّ غفير من أقرباء الميت وأحبابه وأترابه والفقراء والمساكين إما في مسجد المحلة وإما على قبره إذا ساعد الفصل، فتخرج البسط والسجادات وتمد على الأرض في طراف القبر ويوضع عليه قماقم «١» ماء الورد وتنثر فوقه الزهور ويفرق على القارئين أجزاء الربعات التي يستخرجها إمام مسجد المحلة. وبعد إتمام قراءتها يجهر الجميع بتلاوة صيغة الختم. وفي ختامها يقوم الناس ويصطفون حلقة على القبر يقوم في وسطها أحد شيوخ الطرائق العلية وناشده فيذكرون الله تعالى وربما ضرب النشاد بطبلات