ثم في الساعة المعينة يقبل المدعوون للحضور في احتفال جنازته الذين أرسلت إليهم الرقاع المذكورة ويقبل لفيف الكهنة ثم يضعونه في صندوق عمل له جديدا ليدفن فيه.
وبعضهم يكتب على صندوق الميت بعض الأشعار في رثائه وربما كتبوا عليه تاريخ ولادته ووفاته وزينوه بالزهور والنقوش. ثم يأتي الحمالون فيحملونه على كواهلهم إلى الكنيسة ويتبعهم الجمهور. وهناك يصلي عليه المطران مع القسيسين وبعدها يصطف من حضر على نسق معلوم يكون فيه العسكر (إن كان الميت عزيزا ووجد عسكر) سائرين صفّين على مقدمة الموكب ويليهم خفر «١» قناصل الدول الأجنبية ثم تلامذة المدرسة ثم حملة الصليب والشموع ثم جماعة القسيسين والمطارنة يترنمون بآيات من الإنجيل ثم النعش وقد اكتنفه أربعة رجال من كبار القوم وأعزاء الميت يمسكون من أربعة أطراف النعش أربعة سفايف من الحرير الأسود فإذا وصلوا به إلى اللحد صلّوا عليه. فإن كان عزيزا في قومه قام أحد أدبائهم ورثاه نظما أو نثرا وبعد أن يواروه في ترابه يصطف أهله للتعزية، فأول من يمر من أمامهم ويعزّيهم هو المطران أو الأسقفّ ثم يتبعه بقية الكهنة والناس. وهكذا ينصرف الجمع.
ثم في اليوم الثالث يعملون له في الكنيسة صلاة يسمونها الجنّاز ويحسنون فيه إلى الفقراء ببعض المأكولات أو بنقود وهذه الصلاة يعيدها بعضهم في اليوم التاسع وفي اليوم الأربعين وفي نصف السنة وتمام السنة. وحزن الولد على أبيه أو أمه مدة ثلاث سنوات والأخ على أخيه والأب على ولده سنتين. وهكذا الزوجان على بعضهما. وقد تزيد مدة الحزن وتنقص باعتبار عظم المصيبة بالفقيد. وفي مدة الحزن يلبسون السواد ويفرشون منه بيوتهم ويمتنعون عن الحمّام وسماع الغناء وآلات الطرب ومحافل الفرح.
هذا ما تيسر لي استقصاؤه من عاداتهم في أفراحهم وأتراحهم. وأما عاداتهم في أعيادهم ومواسمهم فليس لي بها حق المعرفة فلذا لم أتعرض إليها بالذكر.