للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الشهر أيضا تلاوة القرآن واستئجار الحفظة للتلاوة في الجوامع نهارا وفي البيوت ليلا.

ومما اعتادوه أيضا أن يصعد إلى كل منارة في كل ليلة قبل المدفع الأول بنحو ساعة رجل ينشد شيئا من المديح حتى إذا أطلق المدفع الأول أذن الأذان المعتاد ثم سكت وصار في كل برهة يصيح بكلمة من الأذان ويمطط صوته فيها بحيث تضيع صورتها ولا يفهمها السامع إلا بإمعان السمع ويستمر على ذلك إلى إطلاق المدفع الثاني. وهذا العمل يعرف بالأصوات والغرض منه أن يعرف المستيقظ من منامه في أي وقت هو. ومما اعتادوه في هذا الشهر كثرة ترددهم على الجامع الكبير في النهار ولا سيما بعد العصر لكن كثير من الناس من يجعل مجيئه إليه في مقام النزهة وإضاعة الوقت.

هذه أكثر العادات المستعملة في رمضان. فإذا أطلقت مدافع العيد ابتدر الناس تهيئة طعام الفطور وتفتح الأسواق في تلك الليلة فيشتري الناس اللحم والبقول والحبوب والتوابل والحلوى وغير ذلك. ثم يرجعون إلى بيوتهم فينامون إلى الغلس «١» ثم يقومون ويغتسلون ويلبسون أحسن ثيابهم ويصلون الصبح وصلاة العيد ويخرجون إلى المقابر فيزورون أمواتهم ويرجعون إلى بيوتهم فيفطرون فيها ويحملون فرشا من جميع أنواع أطعمة الفطور إلى كل من الطبال والحارس وقيّمة الحمّام ويعطون كل واحد منهم جائزة من الدراهم تسمى العيدية.

ثم ينطلقون لزيارة بعضهم للمعايدة فمنهم من يجلس في بيته في اليومين الأولين من العيد ويدور في الباقي ومنهم من يعكس وكلما أقبل زائر قدم له المزار شيئا من رب الكباد والراحة وغيرهما مما هو على نسقهما أو سقاه قدحا من أحد الأشربة الحلوة إن كان الأوان صيفا ثم أتبعه بقهوة البن. وكان يخرج قبل العيد بيومين رجل في رأسه قلنسوة طويلة في أعلاها ذنب ثعلب وفي يده دف يضرب فيه وأمامه بغل مدرع بالخرز والودع معصب رأسه بالمناديل الملونة فيدور على هذه الهيئة بالأزقة والشوارع ويقف على كل ذي دكان ويمدحه ويرقص له فيعطيه شيئا من النقود وينصرف. ويقال لهذا الرجل جحش العيد.

وكان يخرج في كل يوم من أيام العيد صبيان قد صبغوا أجسامهم بالسواد ولبسوا ثيابا قصيرة وفي رؤوسهم قلانس طويلة وفي أيديهم دفوف يضربون بها يدورون على منازل الأكابر

<<  <  ج: ص:  >  >>