فيفطرون فيها ويتغدون ويتعشون. والنفقة في ذلك إما تبرعا من أحدهم وإما موزعة على كل واحد منهم وتسمى بشماريّة وإما أن يقوم بمثلها في غير يوم كل واحد منهم وتسمى دوريّة. وهذا اليوم يسمونه سيبانة.
ومما اعتادوه أيضا في هذه المدة أن يخرج من الناس عدد كثير للنزهة في جادة باب الفرج أو إلى ظهر القناة في جهة بعاذين أو إلى عين التل والعين البيضاء أو إلى جبل الشيخ فارس أو الشيخ مقصود أو إلى الميدان الأخضر. وكثير من يبقى فيه إلى الليل إذا كانت الليلة مقمرة. وفي هذا الشهر أعني شهر هيار يقع في حلب كساد عظيم على التجار لاشتغال ذوي الزراعة بالحصاد وجمع الزرع ويسمون هذه الأيام أيام عصّة المنجل. ومن أوائل أيلول إلى أواخر تشرين الأول يشتغل الناس باحتكار مؤنة سنتهم من الحنطة والعدس وبقية الحبوب فيسلقون شيئا من الحنطة للبرغل ويشتغلون بدقها وتنقيتها وطحنها وغربلتها ويرفعونها في مخازنها ويحتكرون بقية ما يحتاجونه في شتائهم من البقول والفواكه التي يحفظونها إما بالتيبيس وإما بالماء الموضوع فيه ملح مع رادّة تطفو البيضة على سطحه. قيل إن الحلبيين عرفوا البرغل من التتر المنسوبين إلى جنكزخان حينما استولوا على حلب فإن البرغل كان زادهم في أسفارهم والله أعلم.
ثم إذا دخل تشرين الثاني أخذ الناس أهبتهم للشتاء وشرعوا يسهرون عند بعضهم ليلا، فزمرة منهم يقتصرون في سهرتهم على الحديث المباح كذكر الأكل والشرب والبيع والشراء وأخرى تقتصر على مطالعة بعض كتب الأخبار والتواريخ والفتوحات أو على مطالعة قصة عنتر أو كتاب ألف ليلة وليلة أو القصص الموضوعة المعروفة بالروايات أو كتب الحديث والسير أو أحد التفاسير. وربما اقتصر بعضهم على تلاوة القرآن أو غير ذلك من كتب الأخبار والتواريخ. وقد اعتادوا غالبا أن يجعلوا سهرتهم دورية عند كل واحد منهم أسبوعا مثلا. وفي الليلة الأخيرة منه يعمل صاحب البيت وليمة لهم ويحضر في الليل من يطربهم بصوته أو عوده أو كمنجته أو قانونه أو نايه. وربما أحضر جميع هذه الآلات ويعرف بالنوبة أو أحضر اللاعب بالخيالات ويعرف بالخيالاتي وهو مما لا بأس به لو لم يشتمل كلامه على فحش القول الذي يخل بالآداب ويسيء أخلاق الصغار.
والظاهر أن اللعب بالخيال قديم لا كما يحكيه الخيالاتية أنه من اختراع بعض وزراء الدولة العثمانية فقد حكى ابن حجة في كتابه ثمرات الأوراق ما خلاصته أن السلطان الملك الناصر