طول جريان الفرات من منبعه إلى انصبابه في شط العرب ستمائة وثلاثة وعشرون فرسخا. ويصب فيه بهذه المسافة زهاء ثلاثة ألف نهر وعين ما بين كبيرة وصغيرة. وعرضه يتراوح بين ٢٠٠ و ١٦٠٠. وعمقه ما بين ١٥ مترا إلى متر واحد باعتبار الفصول والمواسم.
ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم فيفيض على مسافة فراسخ في السهول المجاورة له. وقد يزرع أهل مسكنة والرقة وما والاهما غبّ هبوطه الذرة البيضاء فتخصب جدا.
وروى بعض المؤرخين أن ملوك نينوى منذ أربعة آلاف سنة كانت توزع مياه الفرات إلى عدة جداول تصرفها إلى زروعها حتى انقطع زمنا طويلا عن شط العرب. ولم يزل سكان شطوط الفرات، من مسكنة وما والاها، يسافرون فيه إلى بغداد وما والاها على ألواح خشبية يشدونها إلى بعضها بالحبال ويربطون في أسفلها مما يلي الماء ظروفا منفوخة. والأتراك يسمون ذلك كلكا ويسمى واحدها في اللغة العربية طوفا أو رمثا. وفي حدود سنة ١٢٩٥ سيّرت سفينة بخارية في نهر الفرات فلم تسلك فيه إلا في أيام فيضانه زمن الربيع، وكان سلوكها من البصرة إلى مسكنة فإذا رجع الفرات إلى حاله بطلت حركتها فيه لانكشاف الماء عن صخور تعارض السفينة المذكورة.
كان لا يوجد على هذا النهر في ولاية حلب جسر ولا قنطرة. إنما يجتاز منه إلى الجزيرة على الزوارق يضمن الناس ريعها من الحكومة. وقد خطر للحكومة التركية عدة مرات أن تجعل على هذا النهر عند البيرة جسرا من حديد، وكثيرا ما تفاوضت أيضا بفتح قناة من عند مسكنة إلى حلب فلم يتم لها ذلك. ثم في سنة ١٣٣٣ انتهى عمل الجسر الحديدي على هذا النهر عند جرابلس، كما ستقف عليه في أخبار السنة المذكورة من باب الحوادث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
السقاية من هذا النهر لا تكون بغير الكرد والدولاب، والغرّاف يجر الماء إليهما بواسطة ساقية ثم يرفع بواسطة هذه الأدوات.