وضع للرهبان قانونا بناه على أربع قواعد أصلية كما كانت عند قدماء الرهبان وهي الخلوة وشغل اليد والصلاة والصوم.
وكان رهبان المشرق منقسمين إلى أربع طوائف إحداها السنوبيتية كانوا جميعا مشتركين في المسكن والمطعم والعمل. والثانية الأرمنية كانت تسكن الأخصاص والمغاير «١» المتفرقة والثالثة الأنخورية كانت تنتقل من صحراء إلى أخرى ويأكلون وينامون في أي محل أدركهم الليل أو لحقهم الجوع. والرابعة السياحة وهي شبيهة بقدماء عباد آلهة الشام من جهة أنهم كانوا يسبحون من قطر إلى آخر ويتجرون بآثار يقولون إنها من آثار القديسين ويتعيشون مما يأتي إليهم من معتقديهم. وما زالت الأديرة في ازدياد وانتظام حتى صارت من أعظم أسباب اتساع التنصر وإحياء الغابات المقفرة والأراضي العقيمة التي عادت أريافا خصبة.
وتقدمت الفلاحة واستوطنت في البلاد المقفرة قبائل عديدة حول أديار «٢» وكان الرهبان ينسخون كتب الرومان واليونان المتعلقة بالأزمنة القديمة ويشتغلون في ترجمتها فانتشرت بذلك العلوم عند الأمة النصرانية والتفتت الأفكار إلى احترام الرهبان الذين كانوا مع هذه الفوائد يعيشون من الصدقات التي توضع على الهياكل. ثم في سنة ٣١٣ مسيحية صدر أمر قسطنطين بأن يؤذن للكنائس والطوائف الرهبانية أن تتملك الأراضي والعقارات ووقف على كنيسة الحواريين وقفا عظيما. ثم في سنة ٢٢١ مسيحية رخص للنصارى بأن يوصوا بأملاكهم للكنائس ففي أقرب وقت اتسعت مداخيل معابدهم حتى جاوزت الحد وحمل البطر والترف الأساقفة على أن يشتغلوا بإدارتها عن أمورهم الدينية وقد عظمت سلطتهم حتى إنهم كانوا يتصرفون بالأرض والقرية الموقوفة عليهم مع أرقّائها أي خدامها.
ثم فرضوا العشر على النصارى مستندين في ذلك إلى الشريعة الإسرائيلية لأنها فرضت على بني إسرائيل أن يأتوا إلى الهياكل بعشر ثمارهم. وما زالوا يتمادون بالتسلط حتى بلغوا منه الغاية. ثم أزيلت الأسباب وصلح شأنهم بعد مشقات يطول شرحها.