نقلها سيف الدولة إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها وأخذت قنسرين بالخراب حتى لم يبق بها سوى خان تنزله القوافل وعشار السلطان.
ثم عمرت مرة أخرى وتراجع سكانها إليها واستمرت إلى سنة ٣٨٩ فغزاها الروم وخربوها ورحلوا عنها فجاء إليها بنو البصيص التنوخيون من أمراء جبل لبنان وعمروها ثم خربها الروم أيضا عند قصدهم حلب سنة ٤٢٢ ثم عمرها سليمان بن قتلمش وتحصن بها سنة ٤٧٩ ثم خربها تاج الدولة تتشق السلجوقي لما قتل سليمان المذكور وفي سنة ٥٦٤ نقل نور الدين أعمدة سورها إلى جامع حلب وبناها به كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع. ولمحمد بن علي العشائري المتوفى سنة ٧٨٩ تاريخ سماه تاج النسرين في تاريخ قنسرين بحثنا عنه كثيرا فلم نظفر به.
وكان لقنسرين حاضر له قلعة تشبه قلعة قنسرين جرى بين أهلها وبين أهل حلب قتال فغلبهم أهل حلب وأجلوهم عنها وأخذت بالخراب حتى عادت تلا يزرعه الفلاحون.
وهي على فرسخ من قنسرين وينسب إليها جماعة من أهل الحديث منهم الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكيم المعروف ببرداعس سكن حلب وقدم دمشق وحدث بها وتوفي سنة ٣٢٨ وكان هذا الحاضر قبل الفتح لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام «١» ونزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل. ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام بعضهم على النصرانية فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية من سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وأسلم من أهل ذلك الحاضر جماعة في خلافة المهدي فكتب على أيديهم بالحضرة قنسرين. وقال عكرشة العبسي يرثي بنيه «٢» :
سقى الله أجداثا ورائي تركتها ... بحاضر قنّسرين من سبل القطر
مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدر
ولو يستطيعون الرواح تروّحوا ... معي وغدوا في المضجعين «٣» على ظهر